في رحاب الإسلام : أهمية تكوين الأسرة

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

الإحتواء و الحب تملكه بقلبك و ليس بمالك ، و الإبتسامة تخرج من روحك و ليست من جيبك . العائلة تحتاج إلى لمّة و حنان و ليس بطاقة إئتمان . ‏الذكريات الجميلة تحفظها بقلبك و ليست متاحة للجميع ، و الثراء في طبعك و أخلاقك و ليس في رصيدك البنكي . أكثر الأشياء جمالا ليس لها ثمن كن جميلا بما زُرِعَ فيك من قيم . قال تعالى في محكم تنزيله : ٠{وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا}٠ صدق الله العظيم . يقول الإمام ابن القيم رحمه الله مفسرا هذه الأية : “يأبى الله أن ندخل الجنة فرادى فكل صحبة يدخلون الجنة سويا
لذا فإنى أسأل الله أن يدخلنى الجنة و إياكم في الفردوس الأعلى . و أسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى و صفاته العلى أن نكون صحبة يأخذ بعضنا بيد بعض و ندخل الجنة معا . و لنعلم أن المحبة فى الله نعمة من الله و التواصل مع الأحبة أنس و مسرّة و هم للعين قرة” . سلام على من دام في القلب ذكراهم وأن غابوا عن العين قلنا يارب إحفظهم وأرعاهم

تتكوَّن الأسرةُ في الإسلام من الزوج والزوجة والأبناء، بخلاف الدعوات التخريبية الهدَّامة التي تجعل الأسرة القانونية من الجنس المتماثل: رجلًا ورجلًا، وامرأة وامرأة؛ فهي أسرة تتكون من المساحقات ومن اللوطيين.

الزواج:

أولًا: نظر الإسلام للأسرة على أنها أساسُ المجتمع، وهي اللَّبِنة الأولى والخليَّة الأولى، وليس الفرد هو أساس المجتمع، قال الله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ [النحل: 72].

ثانيًا: أكَّد الإسلام على وحدة البناء الاجتماعي، والأسرة هي محور هذا البِناء، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

ثالثًا: الأسرة هي المحضن الطبيعي للإيمان؛ فمنها قامت دولة الإسلام، فأول مَن آمن من النساء خديجة؛ فهي أول أسرة في الإسلام، وأول محضن لهذه الدعوة.

رابعًا: أوضح الإسلام أن الإيمان لا يتجسَّد إلا على أرضٍ يعرف أهلُها كيف يتكاثرون، ولا يتعارضون مع الفطرة البشرية، لا بالزنا ولا بالشذوذ الجنسي، قال تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

خامسًا: الزوجية سُنة من سنن الله في الخلق والتكوين، وهي عامة مطَّردة لا يشذُّ عنها عالَم الإنسان، أو عالم الحيوان، أو عالم النبات، ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]، ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يس: 36].

سادسًا: هي الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر واستمرار الحياة، بعد أن أعدَّ كِلَا الزوجينِ، وهيَّأهما بحيث يقوم كل منهما بدور إيجابي في تحقيق هذه الغاية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

سابعًا: لم يشَأ الله سبحانه أن يجعلَ الإنسان كغيره من العوالِم، فيَدَع غرائزه تنطلق دون وعي، ويترك اتصال الذكر بالأنثى فوضى لا ضابط له، بل وضع النظام الملائم لسيادته، والذي من شأنه أن يحفظ شرفه ويصون كرامته، فجعل اتِّصال الرجل بالمرأة كريمًا مبنيًّا على رضاهما، وعلى إيجابٍ وقَبول كمَظهرينِ لهذا الرضا، وعلى إشهادٍ، على أن كلًّا منهما قد أصبح للآخر.

ثامنًا: بذلك أشبع الغريزة بالطريق السليم، وحفِظ النسل عن الضياع، وصان المرأة عن أن تكون كلأً مباحًا لكل راتع.

تاسعًا: وضع الإسلام نواةَ الأسرة التي تحوطها غريزةُ الأمومة، وترعاها عاطفة الأبوَّة، فتنبت نباتًا حسنًا، وتثمر ثمارها اليانعة، وهذا النظام هو النظام الذي ارتضاه الله، وأبقى عليه الإسلامُ، وهدم كل ما عداه.

عاشرًا: رغَّب الإسلام في الزواج، وجعله من سنن الأنبياء والمرسلين، ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾ [الرعد: 38]، وفي حديث الترمذي عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ مِن سنن المرسلين: الحنَّاء، والتعطُّر، والسواك، والنكاح)).

وجعله سبيلًا للغنى يمدُّ طالبَه بالقوة التي تجعله قادرًا على التغلب على أسباب الفقر؛ ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 32]، وفي حديث الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونُهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتِب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف))؛ حديث حسن.

وروى مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِها الزوجة الصالحة))، فالزوجة الصالحة فيضٌ من السعادة يغمر البيت، ويملؤه سرورًا وبهجة وإشراقًا؛ فعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرًا من زوجة صالحة، إنْ أمرها أطاعَتْه، وإن نظر إليها سرَّته، وإن أقسم عليها أبرَّته، وإن غاب عنها نصحَتْه في نفسها وماله))؛ ابن ماجه.

وعن سعد بن أبي وقَّاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مِن سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة؛ مِن سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء))؛ أحمد بسند صحيح، والبزار، والحاكم.

حادي عشر: الزواج عبادة يستكمل الإنسان بها نصف دينه، ويلقى بها ربَّه على أحسن حال من الطُّهر والنقاء؛ فعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن رزقه الله امرأةً صالحة، فقد أعانه على شطر دينِه، فليتَّقِ الله في الشطر الباقي))؛ رواه الطبراني والحاكم.

قال ابن مسعود: “لو لم يبقَ مِن أجَلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها، ولي طَوْلُ النكاح فيهن، لتزوجت مخافةَ الفتنة”.

والإمام أحمد تزوَّج في اليوم التالي لوفاة أمِّ ولده عبدالله، وقال: “أنا أكره أن أبيت عَزَبًا”، وما ذاك إلا لأنه يرى أن النكاح سُنة ماضية، وخُلُق من أخلاق الأنبياء.

ثاني عشر: النهيُ عن التبتُّل للقادر على الزواج؛ فعن ابن عباس أن رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العزوبة، فقال: ألا أختصي؟ فقال: ((ليس منا من خصي أو اختصى))؛ الطبراني.

وقال سعد بن أبي وقاص: ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتُّل، ولو أذِن له لاختَصَينا؛ البخاري.

قال الطبري: “التبتل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريمُ النساء والطِّيب، وكل ما يتلذَّذ به، فلهذا أُنزِل في حقه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87]”.

ثالث عشر: الإعراض عن الزواج لا يمنع منه إلا عجزٌ أو فجور؛ كما قال عمر رضي الله عنه، وإن الرهبانية ليست من الإسلام في شيء، والإعراض عن الزواج يُفوِّت على الإنسان كثيرًا من المنافع والمزايا.

وكثير من الأسر خرَجَت عن سماحة الإسلام، وعقَّدوا الزواج، فخَلَقوا أزمةً تعرَّض بسببها الرجال والنساء لآلامِ العزوبة وتباريحها، والاستجابة إلى العَلاقات الطائشة، والصلات الخليعة.

فالتغالي في المهور، وكثرة النفقات، وتبذُّل المرأة، وخروجها بهذه الصورة المثيرة – ألقى الريبةَ والشك في سلوكها، وجعل الرجل حذرًا في اختيار شريكة حياته، بل إن بعض الناس أضرَبَ عن الزواج؛ إذ لم يجد المرأة التي تصلح في نظرِه للقيام بأعباء الحياة الزوجية.

ولا بد من العودة إلى تعاليم الإسلام فيما يتصل بتربية المرأة، وتنشئتها على الفضيلة والعفاف والاحتشام، وترك التغالي في المهر وتكاليف الزواج.

رابع عشر: أكَّد الإسلام على أن للأسرة حقوقًا وواجبات لجميع أفرادها، حقوقًا للزوج على زوجته، وللزوجة على زوجها، والأبناء على الآباء، والآباء على الأبناء، قال تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وقال عز وجل: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].

خامس عشر: العَلاقات الزوجية في الإسلام قائمة على الاحترام المتبادَل، وعلى السرية، والصون من ألسنة العابثين، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35].

سادس عشر: أكد الإسلام على حقوق الأبناء من الرعاية والعناية من قبلِ الزواج إلى ما بعد الزواج إلى الولادة، إلى أن يخرج هذا الوليد إلى المجتمع، إلى أن يكتفي بنفسه عبر الأسس الآتية:

أ‌- اختيار الزوجة الصالحة.

ب‌- الاقتداء بالسنة النبوية في آداب الجِماع.

ت‌- الاقتداء بالسنة النبوية عند الولادة من التسمية، والآذان، والعقيقة.

ث‌- اختيار المربِّية الصالحة.

ج‌- التسوية بين الأبناء في العطية، وحديث النعمان بن بشير يوضح ذلك.

ح‌- التربية الصالحة تبدأ بتعلم القرآن، والتفرقة في المضاجع، وأمرهم بالصلاة…، إلخ.

خ‌- الصحبة الصالحة في المدرسة والشارع والحي، عن طريق المراقبة.

سابع عشر: أحاط الإسلام الأسرةَ بسياجٍ من الأخلاق، ووضع العقوباتِ المناسبة لمن تُسوِّل له نفسه المساس بهذه الأخلاق الإسلامية؛ فحرَّم الاختلاط ونهَى عن أسبابه، وحرم الزنا، والقذف، واللواط والسحاق، وجميع الأسباب المؤدِّية لذلك، والنصوص القرآنية واضحة في تشديد العقوبة للمحافظة على بناء الأسرة.

توصيات:

1- تقديم الإعلام الصالح ونَبْذ الفاسد منه.

2- الابتعاد عن بيوت الفساد.

3- مجانبة النوادي الليلية.

4- إحياء العادات الاجتماعية التي تحث على الشرف والفضيلة والدفاع عن العِرض.

5- توضيح مثالب المؤتمرات النسائية التي تغضُّ من مكانة الأسرة.

6- نشر الوعي الإسلامي في تقليل المهور، وجمع التبرعات من أهل الخير؛ للمساعدة في القضاء على العزوبة والعنوسة.

7- الحث على الزواج المبكِّر.

8- نشر الوعي في عدم الإكثار مِن البهرجة الزائفة والنفقات التي لا داعي لها.

9- معالجة مشاكل الأسرة.

10- تربية الأبناء على منهج الأنبياء.

العنوسة:

العانس: يطلق على الرجل والمرأة الذي لم يتزوَّج ويبقى زمانًا بعد أن يبلُغَ.

والتعنس: إما أن يلجؤوا اليه إجبارًا، بحكم الظروف، وإما اختيارًا من الجنسين.

نتائجه: ضارة في كلتا الحالتين.

تدفع إلى:

1- السقوط الأخلاقي.

2- هدم البناء الاجتماعي.

والسبب: أن ذلك ضد الفطرة الإلهية، فالله سبحانه يقول: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].

وتبدأ الحياة الاجتماعية بالعَلاقة الثابتة الدائمة بين الرجل والمرأة، وهذا أساس التمدُّن والحضارة، وبالزواج تُغلَق الأبواب الأخرى؛ فالعنوسة تخلُّ بمقصود الشارع، ومصالحِ الخلق الفردية والاجتماعية.

ومن أسبابها:

1- العامل الاقتصادي:

أ – المغالاة في المهور.

ب – الفقر وقلة الدخل.

ج – البطالة التي تواجه المقبِلين على الزواج.

2- الانحراف السلوكي في أوساط الشباب ذكورًا وإناثًا؛ بسبب الاختلاط بين الجنسين، وعناصر الإثارة الأخرى.

3- ضعف الوعي بأهمية الزواج، وضعف التوعية الدينية عند الجميع.

4- افتراض صفاتٍ مثالية في الخاطب والمخطوبة.

5- التعليم ورفع المستوى الثقافي أو انعدامه، ووجود فئة من الناس راغبة في إكمال الدراسة الجامعية – يسهم في تأخير سن الزواج عند هذه الفئة لأسباب مادية أو نفسية.

معالجة الشريعة للعنوسة:

يمكن إرجاع الإجراءات الشرعية إلى نوعين:

أ – النوع الوقائي: ويتمثل في:

1- محاربة الفاحشة بكل صورها وأشكالها؛ كالزنا، واللواط، والسحاق، وهذه من أخطر الفواحش على المجتمع؛ ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي… ﴾ [النور: 2]، ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الإسراء: 32]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((يا أمَّةَ محمد، ما أحدٌ أغير من الله أن يرى عبده أو أَمَتَه تزني))؛ البخاري.

2- كما حرَّم الزنا حرَّم ذرائعه، وأغلق الأبواب المُفضِية إليه.

أ – منع الاختلاط بين الجنسين.

ب- ألزم بغضِّ البصر.

ج- ألزم المرأة الحشمةَ في لباسها.

د- منع الخلوة بين المرأة والرجل الأجنبي.

3- كما منع الفاحشة منع أشاعتها عن طريق الأفلام، والتمثيليات، والصور المثيرة للغرائز، فالآثار التدميرية للبِنْية الأخلاقية عند الأفراد ذكورًا وإناثًا تَحدُثُ عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ كالسينما والتلفاز والإنترنت، والهواتف الذكية والغبية، وكلها تدفع الشباب إلى تفريغِ طاقته الجنسية بالطرق غير المشروعة؛ كالزنا واللواط، والاستمناء والسحاق، وغير ذلك، مما يؤثر سلبًا على الزواج، ويدفع إلى تأخيره عند فئة لم تَعُدْ قليلة في الناس.

ب – الوسائل العلاجية: وتتمثل في الآتي:

1- ركَّز الإسلام على معيار الدين في اختيار الأزواج، وهو عمل الصالحات والعفَّة عن المحرَّمات.

2- تيسير الطرق للجمع بين الراغبين في الزواج؛ لأن الشاب قد لا يهتدي إلى الفتاة المناسبة:

(أ‌) فشعيب قال لموسى: ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾ [القصص: 27]، وعرض عمرُ رضي الله عنه ابنتَه على أبي بكر وعثمان.

(ب) وشرع للمرأةِ أن تَعرِض نفسها على الكفء من ذوي الدين والخلق؛ تصريحًا أو تلميحًا.

(ج) دخول الوسيط بين الرجل وأولياء المرأة أو المرأة نفسها، فيدل الرجل على المرأة، ويقرب بينهما، أو العكس، وقد استحبَّ الفقهاء ذلك، قال علقمة: كنت أمشي مع عبدالله بن مسعود بمِنًى، فلقيه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقام معه يحدثه، فقال له عثمان: أيا عبدالرحمن، ألا أزوِّجك جارية شابة؛ لعلها أن تذكرك ما مضى من زمانك؟ فقال عبدالله: أما لئن قلت ذلك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء))؛ رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مِن أفضل الشفاعة أن يشفع بين اثنين في النكاح))؛ ابن ماجه.

3- جعل الإسلامُ الخِطبةَ طريقًا لتأليف القلوب، وشرع الوكالةَ فيها، وجعل القَبول أو الرفض أمرًا مقبولًا، فالبكر تُستأذَن، والثيِّب يُطلَب تصريحُها بالقَبول أو الرفض، كما شرع الإسلام استشارةَ الأم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((آمِروا النساء في بناتهن))؛ البيهقي.

4- جعل الإسلام عقد الزواج ميسَّرًا، ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾ [البقرة: 232].

5- تيسير سبل الزواج باستحباب تيسير المهور، ((أقلهن مهورًا أكثرهن بركة)).

حياة السلف في النفقات:

1- الوليمة الميسَّرة، تزوَّج عبدالرحمن بن عوف امرأة، فقال: يا رسول الله، تزوَّجت امرأة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أصدَقتَها؟))، قال: نواة من ذهب، فقال: ((بارك الله لك، أَوْلِمْ ولو بشاةٍ)).

2- الجهاز المعتدل: جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمة بجهاز بسيط، وقد يقومُ الزوج بهذا الجهاز، فقد جهَّز النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته.

ومن ذلك قصة سعيد بن المسيب وتزويج ابنته، والمقصود تيسير أمر الزواج بأقل النفقات.

العوامل الاجتماعية لتأخير سن الزواج:

1- المستوى المجتمعي: السلوك الاجتماعي هو حصيلة تفاعل الفرد مع بيئته، وهي تؤثر بأشكال منظورة وغير منظورة في سلوك الفرد الاجتماعي، ومنه الزواج، إقدامًا، أو تأخيرًا، أو امتناعًا، وفيما يأتي بعض هذه العوامل:

(أ) القيم والأعراف السائدة: فقد تنتشر أفكارٌ تُحبِّذ تأخير الزواج، أو تُشكِّك في جدواه، أو تُقلِّل من قيمته.

(ب) الأحوال الاقتصادية: إن نسبة كبيرة من التعنس سببها الأحوال الاقتصادية السيئة.

(ج) التعليم ودورات الحياة وتدرجها: فهناك أعرافٌ تنادي بأن الزواج يأتي بعد إتمام العلم الجامعي على الأقل، والتمكن من الوظيفة، وهذا يعني تأخيرًا كبيرًا للزواج، ربما ينتهي إلى نهاية عمر الشباب المبكر والأوسط.

(د) دعوى النضج الاجتماعي وتشجيع تأخير الزواج، وهو أمرٌ غير منضبط، يصعب حصره، لكن ثمرته تأخير دون داعٍ.

(هـ) عادات اجتماعية وسلوكية سلبية مرتبطة بالزواج؛ مثل:

• التكلفة المبالَغ فيها والمهور المرتفعة.

• عادات الذَّهَب والملابس والطقوس… إلخ.

• عدم الزواج إلا من فئة معينة؛ مثل الأقارب، أو أهل البلد، أو العشيرة.

2- المستوى الأُسري: ويتمثل في:

(أ) الزواج الداخلي: وهو اشتراط الأُسَر أن يتم الزواج من أسرٍ قريبة، رغم أن ذلك لا يعبر عن تطلعات الأبناء الراغبين في الزواج خارج ذلك الإطار.

(ب) الزواج بالترقيم: بعض الأسر يوجدُ بها عددٌ من الفتيات، وبأعمار ومستويات مختلفة، وفي العادة ألا تُزوَّج الصغرى قبل الكبرى، وهذا سلوك ربما يؤدي إلى العنوسة، وهذه الالتزامات لا مبرِّرَ لها، فقد تدفع بالخاطب إلى أن ينتظر مدة طويلة، أو يُقلِع عما يريد.

(ج) النموذج الوالدي: إذا لم يسنده الوفاق والود، فيكون التأثير سلبيًّا، فيدفع بالأبناء إلى العزوف عن الزواج؛ لأن عوامل نجاحه غير متوفرة.

(د) الاشتراطات وسلامة العَلاقات الاجتماعية؛ مثل: الاشتراط بالافتراق عن أسرة الزوج، أو أن يعود جزءٌ من راتب الفتاة إلى أهلها، أو صد الخاطبين لسوء التعامل من قِبَل أهل الفتاة، أو قدوم الخاطبين فيه مساسٌ بسيادتهم وأَنَفتهم، فهذا الصدود تحرِمُ الفتيات من فرصة الزواج، لأمور اعتباطية شكلية.

3- مستوى الأفراد: هناك تصوُّرات من الذكور والإناث فيما يتعلق بخياراتهم وقراراتهم المتعلقة بالخطبة والزواج.

(أ) أنماط الزواج العامة والخاصة بكل من الجنسين:

يميل الذكور في خياراتهم الزوجية نحو الأدنى في العمر والمستوى التعليمي والاجتماعي والاقتصادي، مقابل الجمال أو القربى الاجتماعية.

وتتَّجِه خيارات الإناث نحو الأعلى تعليمًا واقتصادًا أو عمرًا، وهذا يكون سببًا في تعنس الفتيات ذوات التعليم العالي؛ لندرة القاصدين للزواج بعد هذه السن.

(ب) التوقعات وأنماط الاختيار للصور المثالية عند الراغبين في الزواج تُضيِّع عليهما فرصة الزواج؛ لانتظار تطلعات كلٍّ منهما، فيكون ذلك سببًا من أسباب العنوسة.

(ج) أنماط التضحية ودور كل مِن الجنسين في إعالة الأبوين أو أحدهما أو الإخوة أو الأخوات، ويكون سببًا من أسباب العنوسة؛ لعدم الإقدام على الزواج.

اقتراحات للحل:

1- على المستوى المجتمعي:

(أ) نشر ثقافة العفَّة، وقيم الحصانة، ورفع شأن الزواج وتشجيعه.

(ب) عدم اعتبار الزواج مرحلةً عمرية تتبع التعليم أو العمل؛ لأن هناك آثارًا صحية ونفسية واجتماعية سلبيةً لعدم الزواج أو تأخيره، فالزواج الناجح مفيد للصحة، ومِن موجبات العافية والسعادة.

(ج) تحسين الأحوال الاقتصادية، وتيسير العمل، وتيسير عمل المتزوجين.

(د) التَّوعية بأهمية الزواج، وتحديد عوامل نجاحه، ومعاني الكفاءة الاجتماعية.

(هـ) عدم المقابلة بين محاولات خفض الخصوبة وتأخير الزواج.

2- على المستوى الأسري:

(أ) مساعدة الأبناء أو الأقارب على الزواج.

(ب) عدم ربط زواج البنات بالأسبقية العُمرية، أو أية عوامل ثانوية.

(ج) الانفتاح بين الأُسَر والعائلات، وعدم حصر الزواج داخل دائرة القرابة الضيقة.

3- على مستوى الأفراد:

(أ) التوعية بشأن الزواج ومعايير الاختيار، وعدم انخداع الفتيات بأمور ثانوية في أنفسهم.

(ب) عدم تحميل البنات عبء المشاكل الأسرية المستعصية، أو التضحية بهن لصالح أحد.

(ج) إعطاء الفتيات والفتيان حقوقهم الفكرية بالرأي والمشورة، وكذلك حقوقهم المادية بلا نقصان.

(د) أن يُقدِم الشباب على الزواج من فتيات متعلِّمات أو مقاربات لهم في التعليم والعمر، وعدم الركون أو الخضوع لقصورات أو أوهام لا سند لها.

الأسباب النفسية للعنوسة:

أولًا: الشخصية التمامية: وهي لا ترضى إلا بالكامل التام، فتبحث عن المثالية من النوعين، وهي شخصية قلقة لا يعجبها شيء، فيفوتها الزمن، ذكرًا أم أنثى.

ثانيًا: الشخصية النرجسية: وهي شخصيةٌ مغرورة تعشق ذاتها، وتبحث عن شخصية لافتةٍ تُشبِع غرورها المتميز، وحتى تأتي تلك الشخصية متمثِّلة في أحد العروسين، تبقى العنوسة رفيقة الدرب.

ثالثًا: الشخصية الانطوائية: وهي مغلَقة متعتُها في توحُّدها، والمشاركةُ الوجدانية والعاطفية والجسدية أمرٌ ثانوي لا ضرورة له.

رابعًا: الشخصية التجنُّبية “الخجول“: تحب الاختلاط والمشاركة، ولكنها لا تقدر عليها بسبب الخجل، وهي تَحُول بين الرجل – بشكل خاص – والزواج، والمرأة ليست كذلك.

خامسًا: رهبة الزواج: وهو خوف الرجل من الفشل الذي يصيبه في رجولته، وكذلك رهبة المرأة من الرجل عند الزواج.

سادسًا: البول اللاإرادي: يحدث عند بعض الأشخاص أثناء المرحلة العميقة من النوم، فيؤدي ذلك إلى الامتناع عن الزواج.

سابعًا: النقص السلبي: فتاة ترى والدها يضرِبُ أمَّها ويعذِّبها، فتتقمص الفتاة بشكل لاشعوري شخصيةَ والدتها، وترى نفسها زوجةً معذَّبة فاشلة، فترفض أساسًا تجرِبة الزواج.

ثامنًا: الاكتئاب: وهو يؤدِّي إلى الإحباط واليأس وانعدام الأمل، فيرى الزواج مسؤولية لا يستطيعها حتى لا يُعذِّب أطفاله وشريكة حياته، ويكون سببًا في العنوسة مدة طويلة.

الآثار النفسية:

1- الزواج يؤدي إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي والعقلي والعاطفي والغريزي.

2- الزواج يؤدي إلى نضوج الشخصية، وتحقيق الذات، وممارسة الملكات، وثقةٍ في القدرات، وشعور بالمسؤولية والاستمرارية، وتمتُّع بثمار الحياة من البنين والبنات الذين لا يأتون إلا بالزواج.

3- العنوسة مَدْعاة للقلق على المستقبل، والإحساس بالوحدة والعزلة، وانعدام الظهير والمساند.

4- العنوسة تُفرِز الفطرة السلبية للمجتمع، وتؤدي إلى عدم الثقة بالنفس والحياة، وهذا مهيِّئ للاكتئاب عند النساء، وخاصة المتوحدة.

5- الإنسان المتوحد أكثر عرضة للإدمان والانتحار أو محاولته، وللهستريا، وللانحرافات الجنسية؛ عن طريق الاستمناء، أو التلصص الجنسي، أو الجنسية المثلية، أو التمتع بأشياء الجنس الآخر، أو الجنسية من خلال الأجهزة السمعية أو البصرية، أو الجنسية الاستعراضية، أو سواها من شذوذٍ وانحراف، والذي يؤدي إلى شعور بالقلق على السمعة والصحة والمصير الأخروي.

6- التوحد يؤدي إلى تفاقم المرض النفسي، وبخاصة في مرض الفصام العقلي.

7- المتوحدات من النساء أكثر عرضةً بإصابة توهُّم الحب، وهو مرض عقلي، تعتقد فيه المرأة أنها محبوبةٌ من رجل ذي منصب وجاه، وأنه سيتزوَّجها، وتعيش من خلال هذا الوهم مفصولةً من الواقع بعيدةً عنه، وتتصرف بِناءً عليه تصرفاتٍ قد تؤدي إلى المشاكل العائلية والاجتماعية.

هذه بعض مشاكل العنوسة وحلولها، سائلين المولى سبحانه أن يحفظ أبناء وبنات المسلمين من كل شذوذ وانحراف، ويهديهم 

[ditty_news_ticker id="9545"]

Loading