عبد الله الغول، مناضل وطني تونسي
عبد الله الغول : ولد سنة 1910 – أعدم في 20 نوفمبر 1950، (40 سنة). هو ابن المقاوم الشهيد عمر الغول المرزوقي (أُعدم سنة 1924)، من أولاد عبد الله من مرازيق العوينة (قرب دوز)،
– كان لعبد الله الغول إذن ثأر مع فرنسا، ثأر عائلي وثأر وطني لذلك سنجده ضمن من رفعوا السلاح في وجه فرنسا لاحقا وخاصة في “ثورة المرازيق” (1944-1943).
– لقد كان وضع الحرب العالمية الثانية وضعف فرنسا وتحوّل محميتها تونس إلى شبه محمية ألمانية وإيطالية، خاصة منذ نزول قوات المحور بها في نوفمبر 1942، فرصة أخرى جرّأت التونسيين على تحدّي فرنسا والتمرّد على سلطتها بتونس. وكان الأمر في الجنوب أكثر وضوحا إذ اتخذت المقاومة الوطنية شكل مجابهة عسكرية بين الثوار والقوات الفرنسية من أواخر 1942 إلى صائفة 1944، كانت أهمّ فصولها انتفاضة المرازيق هذه التي كان عبد الله الغول أحد أبطالها ضمن أبطال آخرين.
– وقد جدّت عمليات المجابهة الأولى مع فلول الجيش الفرنسي المرتدّ نحو الجنوب والجزائر أمام تقدّم قوات المحور، التي دخلت دوز في 12 نوفمبر 1942، وفي 13 نوفمبر 1942 ببئر عوين ثم بقعر ناضر وفي مواقع أخرى.
– لكن أهم مجابهة لقيها الجيش الفرنسي بالمنطقة كانت من مرازيق دوز وبدعم في الأول من الايطاليين، الذين طردوا وحدات الجيش الفرنسي وأخذوا مكانها، وكانت هذه المليشيا من الشبان (علي الصّيد، عبد الله الغول، الطاهر بن عبد الملك، حامد بن عبد الملك، حمد بن عبيد، حمد بن علي بن ناجي الأحمر والعيد بن محمد بن الحاج) وقد تسلّحوا في جانفي 1943 للدّفاع عن قرية العوينة وصدّ هجومات وأعمال النهب التي كانت تقوم بها وحدات الجيش الفرنسي المرابطة جنوب دوز.
– وسرعان ما تطوّرت هذه المقاومة من حيث ازدياد عدد المنخرطين فيها وكثافة المعارك وكانت أهمّها، قبل انسحاب القوات الايطالية من المنطقة وإعادة احتلالها من الفرق الصّحراوية الفرنسية في 23 مارس 1943، معركة المنقار بضواحي العوينة (1 جانفي 1943) وواقعة وادي المالح (23 جانفي 1943) التي قتل فيها الملازم دي لابريار” وأسر بعض جنوده، وواقعة طويل كعرودة (13 فيفري 1943) جنوب دوز والتي قتل فيها قائد دورية فرنسية وأسر إثنان منها.
– وبدخول القوات الفرنسية إلى دوز من جديد وانسحاب الثوار طفقت تنتقم من السّكان وتنكّل بالأهالي (اعتقال العديد من الرّجال والنساء في البرج العسكري وتفجير منازل الفارين…)
– وتحوّلت المصادمات خارج دوز وكذلك داخلها وكانت أهمّ أحداثها معركة دوز (28 ماي 1944) حيث هاجم الثوار البرج (الثكنة) وكان من ضمنهم عبد الله الغول وتمكنوا من الانتصار على الحامية الفرنسية وقتل قائدها وأسر البقية وحرّروا عائلاتهم المأسورة وفرّوا على شاحنات خارج المنطقة.
– لكن القوات الفرنسية استرجعت البرج في اليوم الموالي إثر انسحاب الثوار وجندت قوات كبيرة (1500 جندي) معزّزة بالطائرات والدّبابات طفقت تطارد المقاومين ربيع وصيف 1944 من جبال مطماطة شرقا إلى الحدود الجزائرية غربا لتتمكن من تصفية جلّهم في عمليات المطاردة هذه أي 37 على 43 ثائرا تقريبا.
– ونتوقف هنا عند إحدى هذه المعارك البطولية التي خاضها الثوّار ضد وحدات الجيش الفرنسي والتي كان عبد الله الغول أحد أبطالها، وهي المعركة التي وقعت في المكان المسمى “بئر بعجة” (8 كلم شمال غربي بئر زميط) يوم 27 جوان 1944 بين المقاومين وسَريّة من 60 جنديا سينغاليا يقودهم العريف أول “سارج ميشال” ودامت المعركة من الصباح حتى الواحدة والنصف بعد الظهر لينسحب الثوار لكن ليصطدموا من جديد من الغد، بوادي بن شعبان بالمكان المعروف ب”اللّقن”، بقوة فرنسية أخرى عدادها 150 جنديا حيث دارت معركة غير متكافئة بين الطرفين استبسل فيها المقاومون وقد كتب مؤلف “ثورة المرازيق” (محمد المرزوقي) يقول انّ عبد الله الغول ورفيقه محمد خميس “لم يتردّدا أن دخلا في معركة حامية مع اعوان الفرنسيّين(…)” كما “قفزت بعض النساء الجريئات في مقدمتهنّ مباركة بنت عمر بن عبد الملك أخت أبناء عمر بن عبد الملك، وزوجة الشهيد حمد بن بلقاسم بن عبد الملك وحليمة بنت عمر بن عبودة زوجة عبد الله الغول، قفزت على الأسلحة و شاركن في المعركة بكل جرأة”.
– وقد انتهت المعركة بانتصار الثوار وانسحاب الجنود الفرنسيين خاصة عند هروب المتطوعين في صفهم من قرية مطماطة. وتمكن عبد الله الغول من أن ينجو مع رفاقه من ملاحقة الجيش الفرنسي والقُومية والمخازنية والتجأ أوّلا إلى جبال مطماطة قبل أن يلجأ إلى طرابلس صحبة أخيه محمد وثلة من المجاهدين الآخرين، حيث كانت السلط الفرنسية تتبعهم فتم اعتقال عبد الله وأخيه ورفيقيهما المكّي بن محمد بن بوبكر من البوليس الانجليزي بليبيا سنة 1945 ليسلّمهم مكتوفي الأيدي للسلط العسكريّة الفرنسية.
– ويروي بوبكر عزيّز، المناضل النقابي والوطني المعروف، والذي التقى عبد الله الغول في السجن المدني بتونس سنة 1948 يقول عنه: “إنّ هذا الرجل الأسطورة جدير بأن تُنقَل ذكراه من جيل الى جيل، فلم يصارع العباد والصعاب من أجل نظرة اقتصادية او اجتماعية ، لقد كان عنتريا فحسب… فعبلاه كانت حياة الأنفة”.
– ثم يستطرد ليقصّ ما سمعه من الغول ذاته كيف تمكن من الهروب “وجيء بقُوميّة من بني قومهم للتعرّف عليهم، ولمّا تمّ ذلك سلّمتهم السلط الانجليزيّة الى القُوميّة التونسيّين وقيّد الأسرى، ورُمي بهم في السيارة التي انطلقت في اتجاه بلدة دوز ليُعرضوا هناك على الأهالي لتذكيرهم أنّ فرنسا هي الأقوى…
– و”أقبل الليل وقد بلغت السيارة “كاف العنبة” (بين تطاوين و بني خداش)، وكان عبد الله الغول قد تمكن من الخلاص من قيوده بأعجوبة فرمى بنفسه في “الكاف”، فأصيب الناقلان للمجاهدين بذهول، ثمّ قرّرا إعدام اسيريْهما المتبقيّين، وهما أحمد الغول والمكي بن محمد بن بوبكر، على عين المكان” .
– لجأ عبد الله الغول فترة عند معارفه من الحوايا في بني خداش لينتقل بعدها الى الوطن القبلي ليشتغل في منجم ام الذويل تحت هوية مزيفة، لكن تم كشفه سنة 1947 بعد وشاية، فألقي عليه القبض في 22 أوت وجُلب للسجن المدني ليقدّم للمحكمة العسكرية.
– والجدير بالذكر أن عبد الله الغول لم يَقسُ عليه أعداؤه فحسب، فذاك من طبيعة الأمور، بل كانت القساوة من الشق الوطني إذ التزم قادة الحركة الوطنية الصمت تجاه قضية بطل مقاوم يُحاكم من أجل رفعه السلاح ضد من يحتل وطنه ولم يتطوّع اي محامٍ منه للدفاع عنه والحال انّ قادة الحزبين الدستوريين (القديم والجديد) كان أغلبهم من المحامين.
– الأمر يُفهم ولا يُقبل عندما نتذكر أنّ مكونات الحركة الوطنية وحتى جناحها المتجذر وزعمائه، كانوا آنذاك يدفعون عنهم شبهة رفع السلاح في وجه المستعمر ولا يقبلون التورط في الدفاع عن “متهورين” التجؤوا للسلاح للدفاع عن كرامتهم وعن وطنهم.
– وهذا الموقف تجاه عبد الله الغول كان مماثلا لموقف آخر في ذات التاريخ، تجاه فلاّقة زرمدين الذين خذلهم الزعيم صالح بن يوسف، وهنالك شهادات تتحدث حتى على تفاهم بين الامين العام للحزب الحر الدستوري آنذاك صالح بن يوسف وسلط الحماية للتخلص من هؤلاء المارقين على القانون والذين كانوا “بَاندِيَّة” يمتهنون الاختطاف والابتزاز وتطوروا في وعيهم الوطني وتحوّلوا الى كابوس يجابه الجندرمة الفرنسية، حيث تم استدراجهم و قتلهم في كمين للجيش الفرنسي بقرية القطار سنة 1948.
– تطوّع في قضية عبد الله الغول، ومن خارج الشق السياسي الوطني، المحامي اليهودي التونسي “ماكس شمّامة” للدفاع عنه، وقد اسرّ هذا المحامي لبوبكر عزيّز في 26 جويلية 1948 انّه “أعلم أهل الحل والعقد بتونس بمأساة عبد الله الغول، ولم يحرّك أحد منهم ساكنا بينما كان في امكانهم ان يتدخلوا إيجابا في شأنه لأنّ الحكومة الفرنسية اذاك كانت تغازل الحزب الدستوري، وأضاف المحامي ماكس شمامة: “لقد تحملتُ التنقل الى باريس لتدعيم طلب العفو على عبد الله الغول الذي قدمته باسمه الى رئيس الجمهورية الفرنسية “فنسون اوريول”، ورفض هذا الاشتراكي العفو على المجاهد التونسي وهو يعلم جيدا ما فعلته المقاومة الفرنسية ضد الألمان”.
– رُفض اذن طلب العفو على عبد الله الغول وبقي بالسجن المدني بالجناح “F” صامدا ” متدرّعا بإيمانه الراسخ بالجهاد المتواصل الذي فطر عليه والمدعّم بما ترسله اليه بين الفينة والأخرى والدته من بسيسة منقعة بدموعها كما شهد رفيق زنزانته بوبكر عزيز ليُخرج من سجنه وينفذ فيه حكم الاعدام بساحة السيجومي في مثل هذا اليوم 20 نوفمبر من سنة 1950، شامخا، رافضا وضع العصابة على عينيه.
– ومن ظلم التاريخ انّ عبد الله الغول الذي ظلم حيّا، ظلم كذلك وهو ميّت، حيث لم يُدرج اسمه في “السجل القومي لشهداء الوطن” الذي أصدره الحزب الاشتراكي الدستوري سنة 1978. فقط رثته عشيرته ومن كانوا في حاله من وطنيّة وإباء وأحبوه لوطنيته. وقد كتب في رثائه الشاعر ضو لبيض مرثية منها:
” وينه زعيم الفلاقة الّي كان عالي ومتسميّ
عبد الله و معاه رفاقه اولاد يداروا على الذمّة
يا والده تبكي على عبد الله بعده حياتك لاش كان عذاب
مولى الشجاعة ليس يحمل ذلّة يطبّ السّوامر صهدهم لهّاب
قدّر عليه الله و كاتبله يصبر ابنادم لو يكون انصاب.”
■ المراجع :
* ثورة المرازيق : محمد المرزوقي وعلي المرزوقي.
* المقاومة المسلحة في تونس : عميرة علية الصغيّر.
# أسامة الراعي#