ذكرى اغتيال السياسي التونسي شكري بلعيد، زعيم حزب الوطنيين الديمقراطيين وأحد مؤسسي تيار الجبهة الشعبية
– في صبيحة السادس من فيفري سنة 2013وعند الساعة الثامنة والنصف، تقدم شاب في الثلاثينيات من عمره إلى شكري بلعيد، حيث كان يجلس في الكرسي الأمامي إلى جانب سائق السيارة، التي كانت تنتظره أمام باب العمارة التي يقطنها بالمنزه السادس في العاصمة تونس، وأطلق أربع رصاصات استقرت في صدر بلعيد قبل أن يهرب الجاني بدراجة نارية يقودها شخص ثان.
– ولأن شكري بلعيد – المعارض اليساري المتشدد – اشتهر بخصومته للترويكا التي أمسكت بزمام الحكم في تونس بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011، كاد اغتياله يعصف بالحياة السياسية التي بدأت تتشكل، فقد وُجهت أصابع الإتهام للترويكا التي تقودها حركة النهضة.
– ويذكر أن التحقيقات في هذه القضية توصلت إلى نتائج وحصيلة من الموقوفين، سواء بتهمة القتل العمد، أو المشاركة فيه، ولكن لم يتم الكشف عن العقل الذي دبّر وخطط وقرر تنفيذ عمليات الاغتيال.
– اليوم وبعد مرور 8 سنوات ما تزال عائلة شكري بلعيد ورفاقه وهيئة الدفاع عنه يشكّكون في مسار قضية اغتياله، وما فتئوا يصرحون بأن لا ثقة لهم في النيابة العمومية، داعين إلى اعادة فتح بحث جديد، موجهين اتهامات إلى تنظيم النهضة ورئيسه راشد الغنوشي بضلوعهما في عملية الاغتيال.
– وقد تطرقت هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي في العديد من المناسبات إلى العلاقة “الجوفية” بين حركة النهضة و”تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي”، مذكّرين بأن تنظيم النهضة عندما ترأّس السلطة (في عهد حمادي الجبالي وعلي العريّض) لم يصنف أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي إلا بعد قيامه بالمهمة الأولى المتمثلة في اغتيال الشهيد شكري بلعيد، ثم إنجاز المهمة الثانية وهي اغتيال الشهيد محمد البراهمي. وهذه العلاقة “الجوفية” بين حركة النهضة وتنظيم أنصار الشريعة لا يمكن أن تكون معلنة، لأنه ليس من المنطقي الاعلان عن المخططات المتعلقة بالإغتيالات السياسية التي اتفقا عليها، حسب تعبير الهيئة.
– ويبقى ملف الاغتيالات السياسية في تونس لغزا محيرا بالرغم من إعلان وزارة الداخلية يوم 26 فيفري 2013 عن توصلها إلى الكشف عن الجناة وعن الجهة التي تقف وراءهم وهي جماعة “أنصار الشريعة” التي يتزعّمها أبو عياض، لكن عديد الشكوك بقيت تحوم حول هذا الملف خاصة بشان الجهة التي خططت وأعطت أمر الاغتيالات ومن ثم طمست الآثار التي قد تشير إليها..
– علما وأنّ النيابة العمومية فتحت يوم 3 فيفري الفارط (2020) تحقيقا جديدا حول اختفاء وثائق ومعطيات تهم ملف القضية، وكذلك حول عملية إخفاء مسدسات تم استعمالها في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وفقا لعضو هيئة الدفاع عن الشهيد شكري بلعيد إيمان قزارة.
– وقد أفادت قزارة، خلال ندوة صحفية عقدتها هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي 5 فيفري 2020، بالعاصمة، تحت عنوان “مستجدات ملف الشهيد شكري بلعيد والجهاز السري لحركة النهضة”، بأن التقدم الحاصل في القضية كان انطلق منذ يوم 6 مارس 2019، عندما أكدت محكمة التعقيب على أن “جملة المطالب التي أثارتها هيئة الدفاع والمآخذ التي تم توجيهها إلى حاكم التحقيق صحيحة ولابد من إعادة النظر في الملف وإعادة البحث من جديد”.
– وأضافت أن التقدم المسجل في قضية شكري بلعيد يتجلى كذلك من خلال فتح تحقيق جديد يوم 31 ديسمبر 2019، في ملف الجهاز السري لحركة النهضة الذي خطط لاغتيال الشهيدين وتوجيه التهم الى 16 شخصا، من بينهم أعضاء بالحركة على غرار رياض الباروني وكمال العيفي والطاهر بوبحري، الى جانب عديد الأشخاص الاخرين الذين يواجهون عقوبات تصل الى المؤبد.
– وأكدت إيمان قزارة أن النيابة العمومية “كانت مجبرة على قرارها بإعادة فتح التحقيق في ملف الجهاز السري، لكنها قامت في المقابل بكل ما في وسعها لتحصين وحماية رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بمجموعة من الآليات القانونية حتى لا يقع تتبعه، الى جانب محاولتها اقصاء هيئة الدفاع عن الشهيدين عن هذا الملف”، وفق تعبيرها.
– وأوضحت أن هذا التحصين، قد أقرته النيابة العمومية بالاعتماد على بعض الوسائل الإجرائية الواردة بمجلة الاجراءات الجزائية، وذلك قصد رفع الصبغة الإرهابية عن ملف الجهاز السري لتنظيم النهضة، واعتبار أن التهم التي تم توجيهها للمتورطين هي جرائم حق عام، فضلا عن عدم توجيه تهمة الانضمام الى هذا الجهاز الى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وبعض قيادات الحركة.
– وصرحّت بأن هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ستواصل عملها الى حين كشف جميع الحقائق، خصوصا وأن بحوزتها جميع المؤيدات التي تثبت تورط رئيس حركة النهضة في هذا التنظيم السري، مضيفة ان الهيئة “لم تتقدم بجميع هذه المؤيدات لعدم ثقتها في النيابة العمومية وفي شخص وكيل الجمهورية، آنذاك، بشير العكرمي لانحيازه لطرف دون آخر، في الوقت الذي كان يفترض أن تكون النيابة العمومية الى جانب المتضرر”، على حد قولها.
– من خلال ما أوردته آنفا، تجدر الملاحظة أنّه على الرغم من الرّكود الذي شهدته القضية خلال السنوات الماضية، فإن مسار الملف دخل منعرجا حاسما خلال الفترة الأخيرة، حيث أعلنت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في مؤتمر صحفي عقدته بالعاصمة أن دائرة الحقيقة بدأت التضييق على المتورطين في قضيتي إغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
# أسامة الراعي#
متحصل على :
شهادة الأستاذية في التاريخ.