واقعة باب سويقة” التي مثّلت حدثا مفصليا في تاريخ الصراع السياسي بين حركة النهضة والسلطة في عهد الرئيس بن علي
في مثل هذا اليوم 17 فيفري من سنة : 1991 – جدّت “واقعة باب سويقة” التي مثّلت حدثا مفصليا في تاريخ الصراع السياسي بين حركة النهضة والسلطة في عهد الرئيس بن علي، واكتنفت قضيتها على امتداد الثلاثين سنة الماضية العديد من النقاط الغامضة.
– في البداية أريد الإشارة إلى أني اعتمدت في تقديم هذه الحادثة على بحث جامعي قدّمه الإعلامي محمد اليوسفي تحت عنوان “حادثة باب سويقة 1991 من خلال الصحافة والشهادات التاريخية” قدّم بكلية الآداب والعلوم الانسانية بصفاقس باشراف الاستاذ عبد الواحد المكني والمقررين الاستاذين فتحي ليسير وعادل بن يوسف وقد توّج هذا البحث الذي يُعد الأول من نوعه بحصول صاحبه على رسالة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر بملاحظة حسن جدا في 3 ديسمبر 2015، وشهادة نبيل الرباعي أحد النهضاويين السابقين المقربين من عبد الفتاح مورو والقيادي المؤسس لتنظيم النهضة الفاضل البلدي، يعرف لدى بعض الأوساط بكنية “سيبانة”.
– جاء في بحث محمد اليوسفي أن قضية باب سويقة 1991 أعدم فيها 3 من قواعد حركة النهضة ممّن تتراوح أعمارهم بين 17 و25 سنة وأن مكان دفن هذا الثلاثي الذي أعدم غير معلوم إلى اليوم وهو، على الأغلب بمقبرة الجلاز في مكان منزو حيث تمّ في البداية تحجير الدفن قربه إلى غاية سنة 1996 قبل رفع الحظر حسب ما ورد في رواية لأحد حرّاس المقبرة كان حاضرا ليلة دفنهم بعد اعدامهم يوم 9 أكتوبر 1991.
– كما أشار الى أن أسرار مكان الدفن من المؤكد أنّها موجودة في أرشيف وزارة الداخلية التي رغم أنّ الامين العام لحركة النهضة علي العريض قد مرّ من أروقتها وكان المشرف على دواليبها فانه لم يستجب لنداءات عائلات المعدمين في القضيّة.
– وأقرّ الباحث والإعلامي محمد اليوسفي في هذا البحث “أنه لم يعد هناك مجال للشكّ في أنّ المجموعة التي هاجمت المقر الحزبي هي من قواعد حركة النهضة التي أقرّت وقتها خطّة تحرير المبادرة بهدف زعزعة النظام القائم وربّما التخطيط للاستيلاء على الحكم في مرحلة ثانية بطريقة أو بأخرى. وقد جاءت عملية باب سويقة التي نفذها عدد من النشطاء الحركيين التابعين لحركة النهضة بالتنسيق مع شاب آخر منهم كان مخترقا لحزب التجمع في تونس المدينة حيث أمدهم بكلّ التفاصيل حول طبيعة المكان وكيفية توزع المكاتب وقد كان الهدف الأساسي والوحيد هو حرق المقر دون استهداف قصدي للحرّاس الذين كانوا يشتغلون ضمن ما يسمّى لجان اليقظة وهي تشكيلات شبه مليشاوية وغير قانونية ولها قصّة تاريخية منذ فترة الخلاف البورقيبي- اليوسفي وقد لعبت أيضا دورا في قمع الحركة النقابية في عهد مدير الحزب الحاكم محمد الصياح في السبعينات”.
– كان أعضاء المجموعة المنفذة للعملية قد قاموا بسكب البنزين أرضا وأضرموا النار ولم يتفطنوا لوجود حارسين مختبئين داخل مقر لجنة التنسيق التجمع الدستوري الديمقراطي وعند الانسحاب قام أحد منفذي العملية منير الحناشي وكان يلبس حذاء من نوع “بورتكان” بضرب التلفاز الذي كان موجودا بالمدخل فحصل حينها انفجار كبير مما أسفر عن تأجج النيران وكان سببا في وفاة الحارس عمار السلطاني وإصابة الثاني بحروق خلفت له تشوها وإعاقة دائمة. وبعد 14 جانفي أصبح منير الحناشي الحارس الشخصي لنائب رئيس حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي.
– وقد أكّد محمد اليوسفي في حوار صحفي أنه تبيّن له من خلال بحثه وبشكل شبه نهائي أنّه “من الصعب أن تكون قد حصلت عملية شدّ وثاق للحارسين اللذين طالتهما ألسنة اللهب في حادث عرضي لم يكن مبرمجا وهذا تؤكده أحكام القاضي حسن بن فلاح في الطور الاوّل من المحاكمة التي عرفت انحرافا خطيرا في الطور الثاني مع القاضي عبد القادر الذائع الذي أقرّ الاعدام وقد كان القرار سياسيا بامتياز وكذلك تقرير مساعد وكيل الجمهورية القائم بحصّة الاستمرار يوم وقوع الجريمة والذي لم يذكر في معاينته وجود آثار حبل محترق في المكان فضلا عن كون التقرير الطبي يفنّد ضمنيا حصول ذلك”.
– كما أضاف أن “عددا من منفذي العملية من الذين حوكموا في القضية اعترفوا في اعترافاتهم أنّهم نفذوا الهجوم فعلا لكن القتل العمد لم يحصل ولم يكن مخطّطا له، مع العلم أنّ نفس المجموعة التي خطّطت لحرق مقر لجنة التنسيق بباب سويقة قامت قبل أيّام من ذلك بارتكاب نفس الفعل في مقر شعبة الاسواق غير بعيد عن جامع الزيتونة ولكن هذه الحادثة لم يكن لها صدى اعلامي أو سياسي رغم أنّها تعكس ممارسة عنف غير مقبول في كلّ الحالات”.
– ومن جهة أخرى أكّد اليوسفي ” أن النتائج التي رشحت عن البحث الذي قام به هي الاقرار بحقيقة مرّة بالنسبة الى “حركة النهضة” وهي تورّطها في العملية العنيفة التي جدّت آنذاك بباب سويقة رغم نفي عدد من قيادييها اليوم لهذه العملية ممّا يطرح سؤالا حارقا عن التفاعلات السياسية آنذاك واليوم مع هذه الحادثة بعد صدور هذا البحث.
– وأكّد اليوسفي في بحثه “أن أسرار مكان الدفن من المؤكد أنّها موجودة في أرشيف وزارة الداخلية التي رغم أنّ الامين العام لحركة النهضة علي العريض قد مرّ من أروقتها وكان المشرف على دواليبها ولكنّه لم يستجب لنداءات عائلات المعدمين في القضيّة كما سبقت الإشارة .ومن هنا يطرح السؤال المحيّر : لماذا رفض علي العريض كشف النقاب عن أرشيف هذه العملية وهل اطّلع عليه عندما مرّ بوزارة الداخلية أو ما يمكن أن نطلق عليها “وزارة أسرار الدولة”؟
– للاجابة عن هذا السؤال لا بدّ من البحث في التفاعلات السياسية مع هذه الحادثة منذ التسعينات وصولا الى اليوم، وبالرجوع الى البحث الجامعي يؤكد صاحبه أن حادثة باب سويقة كان لها تأثير كبير على المسار السياسي للبلاد وتكفي الاشارة الى أنه ذكر أنّه مباشرة بعد وقوعها قام بن علي مساء الاحد بتعيين عبد الله القلال وزيرا للداخلية ثمّ عيّن في ما بعد الجنرال علي السرياطي مديرا للأمن الوطني وهي خطّة قد تمت العودة للعمل بها بعد الغائها وهو ما يبرز حجم الاستتباعات السياسية والامنية والقضائية لهذه الواقعة.
– كما يؤكّد محمد اليوسفي “والجميع يعلم لاحقا المنزلقات الخطيرة التي حصلت في ظلّ تغليب الحلّ الامني لمواجهة ظاهرة الاسلام السياسي ككلّ وحركة النهضة على وجه الخصوص، فحادثة باب سويقة أحدثت زلزالا صلب تنظيم حركة النهضة فشهدت موجة استقالات من أبرزها انسلاخ عبد الفتاح مورو و بنعيسى الدمني والفاضل البلدي ونور الدين البحيري الذي ظلّ يناور هنا وهناك، وقد بلغ الامر بـ”مورو” أن أعلن شروعه في تكوين حزب جديد كما التقى بالمستشار السياسي للرئيس بن علي لكنّ مبادرته تعاملت معها السلطة بالتسويف فاختار الانسحاب في هدوء رغم محافظته على عضوية المجلس الإسلامي الأعلى”.
– ومن جهة أخرى عجّلت هذه الواقعة حسب محمد اليوسفي “باستقالة البلدي وهو من القيادات التاريخية للاتجاه الإسلامي ومن مؤسسيه وقد كان وقت الحادثة رئيس مجلس الشورى في حركة النهضة وذلك تعبيرا منه عن إدانته للعنف وهو لم يعد لصفوف الحزب حتّى بعد 2011”.
– ويضيف محمد اليوسفي: ” لقد كانت حادثة باب سويقة نتاجا لاستراتيجية خاطئة اقرتها حركة النهضة تحت ذريعة الردّ على عنف وإرهاب الدولة وقمع النظام لها بالعنف المضاد وهو منطق أرعن، حتّى تعريفات ماكس فيبر، لا يمكن أن تستوعبه. وقديما قال المصلح عبد الرحمان الكواكبي أحد رواد مشروع النهضة العربية في القرن 19 : “الاستبداد لا ينبغي أن يقاوم بالعنف، كي لا تكون فتنة تحصد الناس حصدا”.
– وطبعا استغلّت السلطة كما يجب هذه الواقعة ونجحت في توظيفها لتبرير الخيار الامني في ضرب حركة النهضة تحت يافطة الذود عن الدولة والمجتمع ممّا تعتبره إرهاب الحركات الاصولية والظلامية”.
– لقد ظلّت قضّية باب سويقة مدّة 30 سنة حبيسة التجاذبات السياسية والتوظيفات القذرة من هذا الطرف وذاك بشكل كاد يعتّم على الحقيقة التاريخية، وحتّى بعد 14 جانفي 2011 لم تتجاسر أيّ جهة على فتح ملف القضيّة وكشف الحقيقة كما هي دون تحريف أو تزييف أو توظيف.
– علما وانه، بعد أن حوكم المتوّرطون في هذه الواقعة وهم الهادي النيغاوي وفتحي الزريبي ومصطفى بن حسين بالاعدام ظلّ ملفهم ورقة مساومة وابتزاز بين السلطة والرئيس بن علي من جهة وحركة النهضة من جهة أخرى. كما أن مضيّ بن علي في الموافقة على إعدامهم وعدم إصدار عفو بالحطّ من العقوبة إلى السجن المؤبد له تفسيراته السياسية حيث بيّنت النتائج التي توصل محمد اليوسفي إليها من خلال هذا البحث ان وقائع الحادثة كانت مخالفة نسبيّا للرواية الرسميّة للسلطة التي روّجت وقتها لحصول عملية محاولة قتل عمد للحارسين عمارة السلطاني و لزهر بن رجب في مقر لجنة التنسيق للتجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم”.
-ولئن حاول اليوسفي من خلال هذا البحث معالجة حدث شكّل منعرجا في التاريخ السياسي الراهن بمقاربة يمكن إدراجها حسب رأيه ضمن سياق العدالة الإنتقالية والتي شهدت تعثرات جمّة لأسباب عديدة من بينها غياب وتغييب الفضاءات البحثية الأكاديمية والعلمية الصرفة عن المسار برمته مقابل اعلاء شأن المناكفات السياسية والتوظيفات الايديولوجية ، فإن هذا البحث الأكاديمي الذي نبش في بعض خفايا حادثة باب سويقة من خلال مرجعيات صحفية وشهائد ووثائق تاريخية أثار جدلا سياسيا داخل أوساط حركة النهضة بعد كشفه لخفايا وأسرار من داخل أبناء الحركة نفسها.
# أسامة الراعي#
متحصل على :
شهادة الأستاذية في التاريخ.