القاصة سعيدة لقراري في حوار مع عبد الكريم القيشوري
فضفضة مع مدرسات / مبدعات
اليوم مع : القاصة سعيدة لقراري
ـــــــــــــــ
حاورها : عبدالكريم القيشوري
يسعدنا أن نقدم لقراء ومرتادي موقع آرتونس ردود أفعال ثلة من الفاعلات الجمعويات من المبدعات / المدرسات؛ عبر فضفضة انعطفنا بهن من خلالها : من منجزاتهن الإبداعية ومشاركاتهن الجمعوية/ الثقافية إلى ممارساتهن المهنية.. علنا نستقي منها حدود الممكن والمستحيل؛ ومدى التأثر والتأثير؛ وكذا الإكراهات والصعويات التي اعترضت و تعترض سبيلهن في أداء رسالتهن النبيلة على أكمل وجه.
اليوم مع التي راودتها غواية الكتابة عن نفسها ؛ وهي تلميذة بالمستوى الإعدادي؛ حيث أسكنتها بين ضلوعها واستمر المشوار ليتوج بمولودين قصصيين: ” وداعا أحلام الغد” و ” عراة خلف الستار” .. عن مسار وتجربة المبدعة القاصة الأستاذة بالتعليم الخصوصي سعيدة لقراري لكم هذا الحوار.
===////====
بداية كيف تقدم المدرسة المبدعة سعيدة لقراري نفسها لقراء ومرتادي موقع آرتونس.
ج : سعيدة لقراري مدرسة لغة عربية ؛ وساردة مغربية قاطنة بمدينة مراكش. حاصلة على إجازة في الأدب العربي من جامعة محمد الأول بمدينة وجدة.
من إصداراتها :
ـ ” بين نارين ” أضمومة قصصية جماعية 2014.
ـ ” وداعا أحلام الغد ” مجموعة قصصية 2015 .
ـ ” عراة خلف الستار ” مجموعة قصصية 2020.
ـ ” تاكتيك ” مجموعة قصص قصيرة جدا التي سترى النور قريبا إن شاء الله.
شاركت في عدة ملتقيات وطنية للقصة القصيرة بالمدن التالية : زاكورة ـ الصويرة ـ مشرع بلقصيري ـ مراكش ـ أبركان بشكل منتظم ؛ كما شاركت بقراءات قصصية في العديد من جهات المغرب . تداوم على نشر نصوصها بجرائد ورقية ومواقع وطنية وعربية مختلفة. كما شاركت في العديد من الندوات الثقافية والتربوية؛ وببرامج إذاعية محلية.
1) التعليم الخصوصي .
حكاية قصة العمل كمدرسة بالقطاع الخاص؛ كيف بدأت مع سعيدة ؟
ج : جرفتني الظروف ؛ وألهتني أحداث متتالية عن اجتياز مباريات التعليم العمومي؛ لأجدني أستجيب لرجاء ابنتي ريم ” رحمها الله “؛ إذ خاطبتني قائلة وهي تعيش لحظاتها الأخيرة من معاناتها مع داء السرطان اللعين : “ماما عليك أن تكفي ملازمتي ليل نهار؛ جدتي تهتم بي؛ وأبي يأخذني إلى المستشفى للحصول على حصتي من العلاج الكيميائي. أما أنت فعليك أن تعملي كمدرسة؛ وسأكون تلميذتك النشيطة والمجددة؛ وأمسك بيدك في الذهاب والإياب حين أشفى “. استجاب القدر لرجاء ريم لأكون مدرسة في مؤسسة للتعليم الخصوصي؛ لكن لم تعش إلى حين الإمساك بيدي ومرافقتي إلى هناك.
2) نظام التعليم في المغرب عام وخاص. هل يمكن اعتبارهما وجهين لعملة واحدة ؟
ج : اعتبارهما وجهين لمعنى واحد هو ما يجب أن يكون. ما يجب أن يسود لصالح جيل يطمح إلى التعامل معه بإيجابية ؛ في تنميته وتكوينه خارج التميز بين القطاعين؛ أو الانحياز إلى واحد دون الآخر؛ مع التشبع بقناعة الإيمان؛ بمبدأ التكامل والتعاون الذي يصب مجراه ؛بحقل تنمية شخصية المتعلم تربويا وتعليميا ـ لكن للأسف ـ بين ما يجب أن يكون والسائد فرق شاسع؛ يعكس استمرار اتساع الهوة الفاصلة بين النظام التعليمي والخصوصي.
3) ماذا عن تجربتك بالتعليم غير النظامي بالمدرسة العمومية؛ موازاة مع عملك فيما بعد بالمدرسة الخصوصية ؟ هل من توافق أم تنافر ؟
ج : تدريسي بالمدرسة العمومية؛ تم عن طريق انتمائي لجمعية تهتم بالتربية غير النظامية؛ ومحاربة الهدر المدرسي؛ بحيث كانت تمنح لنا كأطر تربوية رخص لتدريس التلاميذ الذين تم انقطاعهم عن الدراسة بسبب التكرار وتقدمهم في السن..بعد مرور سنتين من خوض تلك التجربة؛ تهيأت لي الفرصة للتدريس بإحدى مؤسسات التعليم الخصوصي. لامست من خلال ممارسة عملي بها ؛ أن المنهاج التعليمي التعلمي بها؛ أقرب إلى التوافق مع المنهاج المقرر في المدرسة العمومية؛ وأتحدث هنا عن منهاج تدريس مادة اللغة العربية في المستوى الابتدائي .
4) التعليم حق من حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ سنة 1948. هل يتمتع أطفال المغرب بهذا الحق في رأيك ؟ كيف ؟
ج : يقوم الحق في التعليم على مبدأ الإنصاف بين جميع الأطفال؛ إلا أن ذلك الإنصاف تشحب ملامحه بشكل خاص في المناطق القروية؛ إذ نجد الإناث وذوي الاحتياجات الخاصة؛ الفئة الأقل حظا في التمدرس؛ كما أن الأطفال بذلك الوسط يجدون صعوبة في الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية. تنخفض النسبة أكثر وسط الملتحقين بالثانوي؛ واختلاف جودة المكتسبات التعليمية له يد في تحديد حجم الانتقال ين الأسلاك التعليمية؛ وأيضا غياب آلية توجيه فعالة؛ بالإضافة إلى أن اختلال الجودة البيئية والمناخ المدرسي يسهم في تفاقم المشكل وجعل مبدأ الإنصاف في التعليم هدفا يلح على مضاعفة المجهودات لتنفيذ رؤية استراتيجية؛ تقوم على إصلاح المدرسة المغربية وتقوية صرحها.
5) عرفت المنظومة التعليمية بالمغرب العديد من الإصلاحات عبر مسارها التاريخي؛ وصولا إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين؛ ومنتديات الإصلاح؛ والبرنامج الاستعجالي؛ إلى أن توقف المسار عند الرؤية الاستراتيجية ـ الاستشرافية ـ 2015 ـ 2030. هل عرفت المدرسة الخصوصية كقرينتها العمومية سيل المذكرات الوزارية التنظيمية والتكوينية بهذا الخصوص ؟
ج : في إطار مواكبة تعزيز المكتسبات التي حققتها المدرسة المغربية كانعكاس لتحولات اجتماعية؛ علمية ؛معرفية ..فإن التغيير المنشود في هذه المنطلقات واجب؛ واستنساخ الدعائم والمجالات وتحويلها في الرؤية الاستراتيجية إلى فصول ورافعات جدير بالارتقاء إلى مستوى أفضل ؛ يواكب التحولات الاجتماعية والعلمية والتكنولوجية والمعرفية التي شهدها المجتمع المغربي؛ فكان لزاما التخلص من التبعية لهذه المنطلقات المستهلكة التي تجاوزها الزمن وتعزيزها بالمكتسبات التي حققتها المدرسة المغربية على أهميتها؛ ودعمها بمدخلات جديدة تندرج ضمن تموقع المغرب الحديث في تحولاته ومستجداته الراهنة؛ لا العودة إلى المنطلق الأول للإصلاح كقاعدة أساسية لرسم التوجه العام للرؤية الاستراتيجية وهي القاعدة التي لم تستثن منها مخاطبة المدرسة الخصوصية أيضا؛ واستجابة هاته الأخيرة ـ على حد علمي ـ
6) ماذا عن البرامج والمقررات الدراسية. هل من استقلالية في القرار للمدرسة الخصوصية؛ أم اعتماد برامج ومقررات الوزارية الوصية ؟
ج : نعم . هناك استقلالية نسبية تتبناها المدرسة الخصوصية في اعتماد برامج غير تلك التي أوصت بها الوزارة الوصية؛ خاصة حين يتعلق الأمر باللغات الأجنبية.
7) ما الأنشطة الممارسة في المدرسة الخصوصية؛ ولا سبيل لها في المدرسة العمومية ؟
ج : ليس هناك أنشطة مدرسية يتاح لمدرسة القيام بها دون أخرى . يبقى الحكم في تحقيق ذلك وعي بذلك يفرض نفسه؛ وإمكانيات تسانده وتدعمه.
8) الأستاذة سعيدة : أديبة / كاتبة/ قاصة لها بصمتها في المشهد الثقافي المغربي. كيف تتلقى إدارة المؤسسة التي تنتمي إليها كمدرسة هذا الوضع الاعتباري المميز ؟
ج : للأسف. انشغال المؤسسة الخصوصية بمصالحها الخاصة يجعلها تدير ظهرها لتلك البصمة؛ بل ترى فيها أحيانا ـ أو يري فيها البعض ـ من ذلك القطاع ” همزة” يليق بها استنزاف طاقتها لتكثيف الدعاية للمؤسسة وتلميع صورتها؛ وإذا أعلنا تعبنا من الاستنزاف والإذعان لطلبها فالباب أوسع من أكتافنا. وهذا ما تعرضت له من المؤسسة الخصوصية التي أهدرت فيها جميع ما قدمت لها نت تضحيات سواء على مستوى التدريس أو القيام بأنشطة ثقافية تربوية توعوية قمت بها لصالح المؤسسة.
9) القصة وحكايتها مع سعيدة. كيف نسجت العلاقة بينكما ؟
ج : أثناء طفولتي المبكرة؛ كل ليلة قبل أن أخلد إلى النوم؛ عودتني جدتي على إمتاعي رفقة إخوتي ـ وكنت أكبرهم ـ بسرد الحجيات ـ هكذا كانت تسميها جدتي ـ وهي حكايات كنا ننتظر موعدها بفارغ الصبر؛ ونهيئ لها أنفسنا. أتذكر حكاية ” عزة ومعزوزة” و ” حمو حرامي “.. لم يتدفق هذا الشغف على قارعة اللامبالاة؛ بل رافقني دفئا ومجرى طرزته بهواية المطالعة؛ وارتياد المكتبة العمومية التي كانت قريبة من إعدادية باستور التي درست بها.
يسرت مهمة اطلاعي على هامش قراءاتي رغبة ملحة في إعادة صياغة ما أقرأ تلخيصا؛ أو تحديدا لأهم الأفكار؛ أو صياغة شبه قصة يلهمني إياها ما أطلع عليه؛ وما حملته من رزنامة حجايات جدتي أو “حنا” وهو الإسم الذي كنت أناديها به.. من بعض ما قرأت لهم في تلك المكتبة ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ مصطفى لطفي المنفلوطي ـ ميخائيل تعيمة ـ توفيق الحكيم ـ جبران خليل جبران ـ العقاد ـ طه حسين ـ الطاهر بنجلون.. في هاته الفترة نما وترعرع ميولي الأدبي؛ وشدد عضده وتقوى أثناء دراستي الجامعية وأنا أطلع من خلالها عن قرب على ملامح الأجناس الأدبية والفنية كالشعر والمسرح والسرد.
ارتويت بالعذب من مكنونات السرد القصير مع مرور الأيام والأعوام؛ باطلاعي على أعلام هذا الفن العربي والمغربي: كإبراهيم أصلان ونجيب محفوظ وبهاء طاهر وغسان كنفاني..وأحمد بوزفور ومحمد زفزاف وعبدالمجيد بنجلون وادريس الصغير ومحمد المصباحي وسعيد منتسب ومليكة مستظرف ولطيفة باقا ولطيفة لبصير.. هذه حكايتي مع القصة.
10) يقال بأن القصة القصيرة مجهدة للكاتب والقارئ معا؛ بحكم عوالمها المكثفة والرمزية ودلالاتها المتعددة والمسكوت عنه. ما رأيك ؟
ج: القصة القصيرة رصاصة؛ تصيب الهدف أسرع من أي رواية. هكذا يعرف يوسف إدريس الفن القصصي القصير. فالسارد أثناء اعتماده على التكثيف والرمزية في القصة القصيرة؛ فإنه يستغرق في التحدث عن المكان الواحد والزمن الواحد. هناك يتبنين تفكير قراء بوجهات متباينة لنفس المكان ونفس الزمان؛ نفس الشيء ينطبق على الشخصيات أيضا مما يقود كاتب القصة إلى الوصول أو اكتشاف قارات بأعماق جديدة تحيي نارا محتضرة بطيات رماد الذات؛ مع إيقاظ سلوكات والإلمام بملامح لا تكاد تظهر للعابرين ؛ وتكون مستقرا كتفاصيل صغيرة وبسيطة للقاص ومادة خام تضج بصخب سردي يجرفنا إلى حيوات غير متوقعة أو غير مرغوب فيها من طرف بعض القراء.
هاته العملية الإبداعية في رأيي المتواضع تقوم على الاستمتاع والسعي على الإمتاع؛ لا إجهاد فيها ولا تكلف .
11) الشعر يخلق التغيير. هل القصة كذلك ؟
ج : عبر مسيرتها الغنية؛ وتطورها الثابت الخطير؛ أظهرت القصة القصيرة من خلال روادها؛ أنها قادرة على خلق التغيير؛ فقد أصبحت تناسب روح العصر ؛ وتلامس الواقع؛ وتعكس تطلعات الذات القارئة.
12) من أين تستقي سعيدة مواضيع قصصها من الواقع أم من الخيال؟ أم هما معا ؟
ج : مواضيع قصصي تختارني وتقصدني من خلال انجذاب غير مقصود وغير مخطط له؛ فقد يحصل أن ألقي نظرة ـ أظنها عابرة ـ من خلال النافذة؛ لكن ودون سابق نية أجدني آخذ قلمي وأبدأ في الإمساك برأس خيط قصة استقيتها من تلك النظرة العابرة؛ وأبدأ بالكتابة عن صورة الشجرة المتكئة على ظهر البيت والتي تستقبل أثناء غروب كل يوم أسرابا من الطيور في نفس الوقت وكل أيام الأسبوع .. في رأيي لا معنى للإبداع دون استدعاء الخيال؛ فيه يتسع أفق الكتابة؛ وفي شساعته تتحرر؛ الواقع والخيال في كتاباتي قطبان متداخلان؛ يتبادلان المواقع والأدوار من خلال رصد طبيعة الذات البشرية؛ والتوغل فيما يعمل بها من تفاصيل وأشياء متفاوتة من حيث بساطتها ومرونة تفاعلها في القالب السردي..
13) عناوين منجزاتك القصصية :
ـ ” وداعا أحلام الغد ” و ” عراة خلف الستار ” تحيل عتباتها إلى مضامين الغبن والفقر والاستبداد والألم.. هل تستدرج سعيدة بلغتها الشاعرية وأسلوبها المشوق المتلقي بهذا العرض إلى مرافئ الأمل ؟
ج : حين أحل بالكتابة؛ أصبح المفعول به في عملية الاستدراج؛ بحيث أصبح المستدرجة من خلال أعمالي ؛ أخضع ولا أخضع؛ ليصبح الشعور الذي يخرج به القارئ مما كتبت تحصيل حاصل؛ وليس دعوة إلى تبني شعور معين. وهنا أتذكر إيتالو كالفينو وهويقول :
” لو أني كنت يدا فحسب .. يدا مقطوعة تمسك بالقلم وتكتب..”
14) مقطع قصصي ـ من اختيارك ـ يحمل دلالات ما أشرنا إليه في الحوار ؟
ج : أختار مقطعا من مجموعتي القصصية الثانية ” عراة خلف الستار “
..” بجيوب الحلم أحتمي ؛ هناك أغزل حكايات على مقاسي ؛ أفرغني من الضجيج؛ وعلى كرسي هزاز؛ بشرفة تطل على وجه البحر؛ أحط وأنا أجتر هزائمي أمام العطش والانتظارات ساخرة أغسل وجه الحزن؛ خارج الأنين؛ أغريه برحلة إلى ديار تؤويه وتلبسه دفئا.. أترجل ما تبقى لي من الطريق ؛ وعلى أديم السماء أنثرني أصواتا لا تسمعها إلا النجوم.. حين يحدد الحزن حجمي ؛ يصعب على الفرح ارتدائي ؛ لكن يحدث أحيانا أن تشعرني الأشواك بنعومتها؛ فأضع رأسي على كتفها مطمئنة.. “