المدرسة الحربية بباردو
في مثل هذا اليوم 5 مارس من سنة : 1840 – أحمد باي يفتتح المدرسة الحربية بباردو.
– كان الهدف من انشاء هذه المدرسة أساسا تكوين ضباط وتقنّيين للجيش النظامي، حسب شروط وأنظمة مضبوطة. – من المواد التي اشتمل عليها برنامج هذه المدرسة القرآن الكريم، اللغة العربية، اللغة الفرنسية وقواعدها، علم الحساب، علم الجبر والمقابلة، علم المساحة، علم الجغرافيا، وعلم الأماكن، علم التحصين الوقتي، وأصول عمومية في علم التحصين القارّ والصناعات الحربية، وعلم القوانين العسكرية، وصناعة الطبجية بالمباشرة على الأرض، وكيفية تعمير المدافع وإطلاقها، بحيث يتخرّج الضابط عالما بما يلزمه ضرورة في غير العلوم العسكرية متضلّعا من اللغة الفرنسية وبما يلزم الجيش من العلوم العقلية والحربية.
– وقد اعتنى أحمد باي بهذه المدرسة إذ كان يزورها ومعه خواصّه فيسأل تلاميذها، ويثني على المتفوّقين منهم، ويشجّعهم ويرغّبهم في اكتساب المعارف والعلوم.
– وفي سنة 1858 أسند الباي إدارة المدرسة إلى القبطان “كمبنون” وهو ضابط فرنسي بمعية ضباط وأساتذة أوروبيين وتونسيين.
– ومن أشهر الأساتذة التونسيين الشيخ محمود قابادو والشيخ محمد البشير التواتي وغيرهما من علماء الزيتونة.
– وتجدر الإشارة إلى أنّ محمود قابادو قد اشترك مع الايطالي “كاليقاريس” ونخبة من طلبة مدرسة بادرو الحربية مثل الجنرال حسين في “تحرير دروس الأساتذة الأجانب وترجمة كتب أوروبية في الفنون الحربية”. أمّا خير الدين الذي كان منذ سنة 1842 ضابطا برتبة آلاي فقد ظلّ همزة وصل بين الباي وبين الساهرين على حظوظ المدرسة من الأساتذة الأجانب.
– وما من شك في أنّ مدرسة باردو الحربية كانت النواة الأولى في نشر الثقافة الحديثة في البلاد. وقد عُرّبت مؤلفات تركية وإفرنجية لا سيما في الفنون الحربية بالاضافة إلى ما وضعه تلاميذ المدرسة وقد تجاوزت حوالي الأربعين تصنيفا لم تزل مبعثرة في مسودّاتها، لم تُحقّق ولم تُطبع.
– وقد تخرّج في هذه المدرسة نخبة تزعّمت الحركة التحديثية، مثل القائد محمد رشيد، والجنرال حسين والوزير رستم ومحمد بن الحاج عمر الذي تولّى بعد ترقيته إلى رتبة بكباشي، إدارة المدرسة الحربية إثر وفاة الكولونيل دي تافرن وجمعة القرقني الذي كان من أعيان عسكر البحر.
– وفي ضوء قائمة التلاميذ المسجّلين في سنة 1860 نلاحظ أنّ معظمهم قادمون من أعماق البلاد التونسية، وبعضهم من منشإ ريفي من مناطق الشمال والساحل. نذكر منهم بعض الأسماء على سبيل المثال: الملازم العروسي – الملازم باش طبجي – الملازم ابن الحاج – حمودة الحجام – محمد القروي – عمار البخاري – حسن الشاطر – أحمد السباعي – مصطفى زرّوق – علي الماني – مصطفى بن إسماعيل – عبد القادر الحفصي – أحمد ابن خوجة – صالح الحدّاد – ابن عرفة – القهواجي- محمد التركي – التبرسقي – محمد الكاهية.
– وقد اختلفت لغة تدريس العلوم الحربية والعلوم الحديثة، بين العربية والفرنسية والايطالية والتركية.
– إذن يمكن القول إنّه، في مرحلة أولى، قامت مدرسة باردو الحربية بدور مهمّ في تلقين العلوم الحديثة باللغة العربية إلى جانب تدريس اللغات الأوروبية باعتبارها لغات فقط. ففي عهد المشير أحمد باي، وفي أثناء إدارة المستعرب “كاليقاريس” كانت المدرسة تشجّع على ترجمة بعض الكتب إلى العربية ثمّ اضطربت أحوالها كثيرا ما بين 1851 و1855 إلى أنّ أسندت إدارتها إلى الكولونيل “دي تافرن” فأعاد برمجة تعليمها وجعل التعليم فيها فرنسي اللغة، على أنّ تدرس العربية لذاتها، وظلت كذلك إلى أنّ أغلقت أبوابها سنة 1864.
– لم تكن مدرسة باردو عسكرية بحتة، بل كانت مدرسة عسكرية تربوية. وهي أوّل مدرسة تعليمية احتوى برنامجها على مواد العلوم العصرية. وقد كانت مهد أوّل حركة ترجمة عرفها تاريخ تونس الحديث.
– وفي المقابل لم تحقق هذه المدرسة الأهداف العسكرية التي أسست من أجلها على الرغم من أنّها تركت آثارا مهمّة في الحياة الفكرية التونسية في تلك الفترة وما بعدها.
– أخيرا يمكن القول : أنّ أحمد باي بدأ من حيث يجب أنّ ينتهي فعجز اقتصاد البلاد عن تمويل مشروعاته الخيالية ولم ينقذه إثقال كاهل الشعب بالضرائب، فازدادت الحياة السياسية الداخلية تعكرا، فجاعت جنوده وتفرق جيشه شذرا، وأغلقت المدرسة أبوابها بعد سنوات من الانتفاضة الشعبيّة الكبرى لعام 1864 وما تلاها من قمع رهيب وأوبئة ومجاعات.
# أسامة الراعي#
متحصل على :
شهادة الأستاذية في التاريخ.