أحمد القلعي : موسيقي تونسي.
من مواليد هذا اليوم 5 أكتوبر سنة : 1936 – أحمد القلعي، موسيقي تونسي، من أشهر عازفي العود في تونس.
- أحمد القلعي : ولد في 5 أكتوبر 1936 – توفي في 12 أكتوبر 2008، (72 سنة).
- ولد بتونس العاصمة ونشأ في عائلة فنيّة، إذ كان والده علاّلة عازفا على آلة الكمان كما كان إخوته رضا القلعي عازف كمان، ومحمود القلعي عازف ناي وكلارينات. وقد كان أحمد القلعي شغوفا وولوعا بالموسيقى والغناء منذ الصّغر. فكان لوالده علاّلة الفضل في تعلّمه الموسيقى حيث لقّنه بعض القواعد الموسيقيّة والمبادئ الأوّليّة في العزف على آلة العود.
- ثمّ وجّهه إلى الأستاذ صالح المهدي الذّي عمل على دعم معارفه الموسيقيّة وصقل مواهبه، فعلّمه المقامات والإيقاعات وغيرها من أصول الموسيقى العربيّة.
- بدأ بتعلّم العزف على آلة العود بصفة جديّة سنة 1945 على يد الأستاذ عليّ السّريتي وتلقّى عنه دروسا إلى غاية 1948 ثمّ أصبح يتردّد عليه كلّ صائفة لتلقّي المزيد من الدّروس في العزف.
- في ذات الفترة صار يميل أكثر إلى الاستماع إلى اللّونغات التّركيّة وعزف محمّد القصبجي ورياض السّنباطي والكنسرتوات المخصّصة لآلة الكمان وغيرها من أشكال الموسيقى الغربيّة الكلاسيكيّة مثل “الكابريس”..
- ظهر أحمد القلعي لأوّل مرّة سنة 1948 كعازف منفرد بقاعة الفتح بباب سويقة بالعاصمة، كما عاش تجربته الأولى في عرض منفرد بالعود خارج الوطن وكان ذلك سنة 1951 بالمغرب الأقصى. وقد زار العديد من البلدان الأوروبيّة والعربيّة في نطاق حفلات رسميّة وعروض دوليّة، ومن أهمّ هذه السّفرات عروض قدّمها بباريس في فعاليّات المهرجان العالمي للموسيقى والتّراث ومشاركته ضمن الوفد التّونسي في ألفيّة القاهرة سنة 1969.
- كما فرض نفسه كعازف وموسيقي متألّق كان عديد الملحّنين يلجؤون إليه لترقيم أغانيهم حيث اشتهر بدقّة وسلامة وأمانة تدوينه، إذ كان من جملة من يكلّفه بهذه المهمّة المرحوم عبد الحميد بن علجيّة حين أشرف على قسم مصلحة الموسيقى بالإذاعة التّونسيّة.
- عند رجوعه من القاهرة سنة 1969 جلب معه آلة بزق والتّي ولع بها كثيرا من خلال الاستماع إلى اسطوانات عازف البزق السّوري محمّد مطر، ممّا جعله يعزف على هذه الآلة بالتّوازي مع آلة العود في فرقة الإذاعة والتلفزة التّونسيّة لمدّة أربع سنوات منذ سنة 1969، وبطبيعة الحال أثّر ذلك في نمط عزفه على العود، فكان يطوّع العزف على الطّريقة الكرديّة-التّركيّة الخاصّة بآلة البزق على آلة العود.
- ويمكن لنا أن نلاحظ ذلك من خلال تقنيّة الرّيشة التّي يقع فيها الاعتماد على حركات الصدّ والردّ المستمرّة والمتواصلة بين الأوتار، وعلى مستوى تقنية حركة أصابع اليد اليسرى بالانتقال المنفّذ بسلاسة ومرونة بين مواضع ذراع آلة العود كما هو الحال في آلة البزق، وهذا ما يعتبر من الأشياء غير المعهودة آنذاك على الأقلّ في تونس.
- من أهمّ المواعيد التّي عرفها أحمد القلعي في مشواره الفنّي التقاؤه وتأثّره واحتكاكه بعديد العازفين المتميّزين والمعروفين على السّاحة المحليّة والعربيّة، الأمر الذّي زاد في خبرته الفنيّة والتّقنيّة في العزف على آلة العود، نذكر منهم على سبيل المثال: جورج ميشال، الذّي التقاه في مصر سنة 1969 وعزف معه في قاعة سيّد درويش بمبنى دار الأوبرا المصريّة، فأعجب بأسلوبه في العزف، إذ اشتهر جورج ميشال بالخفّة والسّرعة ورشاقة أسلوبه التّقني في العزف سواء كان ذلك على مستوى اليد اليمنى أي تقنية الرّيشة أو على مستوى اليد اليسرى أي حركة الأصابع على مواضع دساتين العود، فأخذ أحمد القلعي عنه تلك الخفّة والرّشاقة في الأداء كعزف المسافات الثّلاثيّة أو الثّلاثيّات وهو ما يعبّر عنه بالفرنسيّة (arpèges)، ويمكن ملاحظة هذا الشّكل الصّوتي في عدّة تقاسيم ومعزوفات لأحمد القلعي.
- كما التقى أحمد القلعي عازف الكمان المصري عطيّة شرارة (يعتبر من روّاد الكمان في مصر، كما أنّه مؤلّف موسيقي وموزّع) سنة 1958 في تونس وأقام معه حفلا في الرّشيديّة، وقد أعجب بأسلوبه في العزف على الكمان الشّرقي فتعلّم منه العديد من الخصائص المميّزة لديه، كتناول الشّكل الإيقاعي ذي القسمة الثّلاثيّة بطريقة يغلب عليها الطاّبع الزّخرفي، ونستطيع تبيّن ذلك في عزف أحمد القلعي خاصّة في كثير من تقاسيمه حيث يوظّفه في بداية التقسيم وأثناء ذروته وكذلك عند القفلات.
- وكان لأحمد القلعي أيضا سنة 1960 في تونس موعد هامّ مع عازف القانون المصري عبد الفتّاح المنسي عندما سجّل معه لونغة عجم، ومن خلال هذا العمل الثّنائي استفاد أحمد القلعي من مهارات هذا العازف خاصّة وأنّه يتميّز بتقنية عالية وبسرعة فائقة.
- ومن أهمّ الأحداث كذلك بالنّسبة للعازف أحمد القلعي القيام بعرض مع أستاذه عليّ السّريتي في مطلع الثّمانينات، وعرض آخر في نفس الفترة مع عازف النّاي المرحوم محمّد سعادة.
- ومن العازفين الذّين أثّروا في طريقة أحمد القلعي في العزف، شقيقه عازف الكمان رضا القلعي، حيث تكوّنا سويّا في الفترة ذاتها تقريبا، ممّا جعلهما في تفاعل مستمرّ تأثّرًا وتأثيرًا، فعلى سبيل المثال كان أحمد القلعي متأثّرا بأسلوب الكمان الغربي الذّي كان أخوه ينهج على منواله في ذلك الوقت، ممّا جعله هو أيضا يدرس الكمان الغربي من سنة 1959 إلى سنة 1960 في معهد نهج زرقون عند الأستاذ الإيطالي (أستاذ أخيه رضا القلعي آنذاك) Venizia، وقاده ذلك إلى تجربة عزف الكابريسات والكنشرتوات على آلة العود، وهذا الأمر يعتبر من غير المألوف في ذلك الوقت.
- عند هذا الحدّ يتّضح لنا أنّ اكتساب أحمد القلعي لهذه الطّرق المختلفة والمتأتيّة من مصادر متنوّعة ومشارب مختلفة، يضعنا أمام تساؤل عن الآليات التّي اعتمدها أحمد القلعي حتّى يتمكّن من استيعاب كلّ هذه الطّرق؟ فحين نتمعّن قليلا في تقنية الرّيشة التّركيّة التّي تعلّمها، فسنجدها متركّزة بالأساس على مبدإ السّماع المرهف والمركّز مع الملاحظة والنّظر والتّقليد..
- وأخيرا يمكن القول أنّ المناخ الفنّي العائلي الذّي نشأ وترعرع فيه أحمد القلعي كان له الدّور الرّئيسي في بناء معالم شخصيّته الفنيّة والموسيقيّة الفذّة، بالإضافة إلى عامل أساسي ومهمّ جعل هذه الشّخصيّة دائمة التطوّر وهو التّكوين الذّي تلقّاه من كبار الموسيقييّن في تلك الفترة أمثال الأساتذة صالح المهدي وعليّ السّريتي، ثمّ تأتي مرحلة التّجارب النّادرة والتّي احتكّ فيها بعديد العازفين التونسييّن والأجانب ممّا مكّنه من الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم المتنوّعة والمختلفة، وهذا ما انعكس بالتّأكيد على ذاته الموسيقيّة التّي عاشت جدليّة بين الأصالة والتّجديد.
- عرفته سنة 1992 وكان لي شرف العزف إلى جانبه في عروض موسيقية بالجنوب التونسي (قابس، جرجيس..)؛ كان صاحب نكتة و”ضمار”..رحمه الله وأكرم مثواه..
أسامة الراعي
متحصل على :
شهادة الأستاذية في التاريخ.