رئيس الجمهورية يشرف على اختتام ندوة رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية
أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء الثلاثاء 22 سبتمبر 2020 بقصر قرطاج، على اختتام الدورة 38 للندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والدائمة والقنصلية التي انعقدت تحت عنوان “تونس ومحيطها المباشر: من أجل شراكة لتعزيز الأمن والسلم ودفع التنمية المتضامنة”.
واستحضر رئيس الدولة في كلمة ألقاها بالمناسبة تاريخ العمل الديبلوماسي التونسي منذ الاستقلال داعيا إلى الاستفادة من المؤسسات المحدثة وتطويرها.
وأوضح أن الإنسانية اليوم في حاجة إلى فكر جديد للعلاقات بين الشعوب والأمم في عهد جديد يجد فيه كل انسان حقوقه المرتبطة بحقه في الحياة وفي الكرامة، ويقطع مع الجوع والفقر ومع سقوط الضحايا والابرياء.
ولفت إلى أهمية أن تأخذ الندوة حجم التحديات الجسيمة التي تواجهها بلادنا على أصعدة مختلفة وتعكس عمق التحولات المتسارعة التي أصبحت تميز العلاقات الدولية .
وهنّأ رئيس الجمهورية من شملتهم الحركة الديبلوماسية والقنصلية، مبينا أنهم مطالبون بتنزيل قيمة العمل الديبلوماسي منزلة العقيدة لخدمة الوطن وحمايته والذود عنه. وشدد على دورهم في التأسيس لديبلوماسية نشيطة ومبادرة وفاعلة تسهر على رفد الجهود الوطنية لتحقيق مصالح بلادنا العليا وتعرّف بمواقفها وتحشد المساندة لمبادراتنا، إلى جانب خدمتها للقضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ودعا رئيس الدولة إلى النأي ببلادنا عن سياسة المحاور وعن سياسة الاصطفاف مع الحرص على التمسك بسيادتنا كاملة، وأكد على أهمية الاستقرار في الداخل حتى يكون لنا صوت مسموع في الخارج لافتا إلى ضرورة أن تكون السياسة بوجه عام والسياسة الخارجية مستندة إلى السيادة الشعبية والى مطالب الأغلبية.
ودعا إلى التمسك بالمرجعيات وبثوابتنا وباستقلالية قرارنا والالتزام بالشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول مع الرفض القاطع لأن تتدخل أي دولة في شؤوننا. وذكّر بأن تونس دولة واحدة ورئيسها واحد وديبلوماسيتها واحدة، معربا عن رفض ارتهان إرادتنا لأي كان.
واعتبر رئيس الجمهورية أن مفاهيم الشراكة والأمن والسلم والتنمية المتضامنة من المبادئ الأصيلة في السياسة الخارجية لبلادنا والتي آلينا على أنفسنا مزيد ترسيخها بجوارنا المباشر سواء في اطار ثنائي أو ضمن آليات العمل متعدد الأطراف.
وأوضح أننا مدعوون لتعميق الحوار الاستراتيجي حول مختلف المسائل المطروحة من اجل تحقيق انتظارات شعوب المنطقة عبر بلورة تصورات مشتركة لعالم اكثر أمنا واستقرارا ومن أجل علاقات دولية اكثر توازنا وتضامنا.
وجدد حرص تونس على مواصلة أداء رسالتها الإنسانية الرائدة من أجل بلورة شراكة شاملة ومتضامنة ومتوازنة انطلاقا من المغرب العربي والعالم العربي والمنطقة الافريقية والمتوسطية.
وشدد على ضرورة تنسيق الجهود وتعميق التشاور مع الاشقاء والأصدقاء بخصوص القضايا المطروحة من أجل الدفاع عن مصالحنا الاستراتيجية وأولوياتنا السياسية والتنموية والأمنية وإيجاد حلول ناجعة للقضايا العادلة، والتي لا تزال عالقة، والحد من مخاطر الازمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية .
وأشار إلى حصول انحرافات وتجاوزات كثيرة في السنوات الأخيرة، مشددا على أن المسؤول يجب ان يكون في خدمة الدولة لا في خدمة طرف في ائتلاف أو تحالف.
وأوضح أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها بعض دول المنطقة أدت الى تفاقم ظاهرة الإرهاب والهجرة غير المنظمة وهي تهديدات خطيرة وتحديات جسيمة تواجه الأمن والاستقرار وعلاقات التعاون في المنطقة والعالم داعيا الى مقاربة هذه الآفة وغيرها مقاربة جديدة لأن الحلول الأمنية وإن كانت ضرورية فإنها تظل وحدها غير كافية.
وذكّر بأن تونس من أكثر الدول التي دفعت الثمن باهضا جراء الوضع في ليبيا مجددا وقوف بلادنا إلى جانب الاشقاء الليبيين ورفضها تجزئة ليبيا، مؤكدا على أن حل الوضع داخل ليبيا لا يمكن أن يكون إلا ليبيا ليبيا.
وبين أن الشراكة في المغرب العربي وفي إفريقيا وفي البحر المتوسط تقتضي العمل على بلورة رؤى واضحة تتيح تجاوز الخلافات المفتعلة القادمة من وراء الحدود في أكثر الأحيان، وتقتضي إحكام التخطيط لمستقبل العلاقات وضبط مضامينها وأولويتها وحشد الإمكانيات لتنفيذها.
ولفت في هذا السياق الى ضرورة التعويل على روابطنا التاريخية مع الأشقاء في المغرب العربي وفي إفريقيا وعلى شراكتنا المتميزة والتي يجب أن تكون أيضا متوازنة مع الاتحاد الأوروبي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والكاملة.
وذكر بترؤس تونس للجامعة العربية معربا عن الأسف لعدم تنظيم قمة الدول العربية، كما أشار الى استعداد بلادنا لتنظيم قمة الفرنكوفونية العام المقبل، مبينا أننا نتعامل مع اللغات دون عقد ودون أن نمس باستقلالنا.
وأكد أن تونس ستتحمل كامل مسؤولياتها في إطار عضويتها في مجلس الأمن الدولي لدفع مسارات التسوية السلمية للأزمات وللدفاع عن المصالح الاستراتيجية والأولويات السياسية والأمنية والتنموية لفضاءاتنا المباشرة بالتنسيق الدائم مع مختلف الأشقاء والأصدقاء.
ودعا في هذا السياق إلى مضاعفة الجهود لإيجاد حلول جماعية لكل التحديات الراهنة وتكريس القيم الكونية النبيلة، معتبرا أنه لا يمكن لأي دولة بمفردها إدارة الأزمات المستجدة والتوقي منها والحد من انتشارها وتجاوزات تداعياتها.
وذكر في هذا الصدد بمبادرة تونس بطرح مشروع قرار مجلس الأمن الدولي حول جائحة الكوفيد 19 معربا عن الافتخار اعتماد مجلس الأمن بالإجماع للقرار عدد 32-25 لسنة 2020 حول الجائحة المذكورة.
وأكد رئيس الجمهورية أن تحقيق تطلعات شعوب المنطقة وآمالها يمر أساسا عبر المسارعة باستعادة زمام المبادرة لإنهاء بؤر التوتر والأزمات وتسريع مسارات التسوية السياسية ووضع حد للمعاناة الإنسانية للشعوب المعنية وتأسيس مناخ إقليمي يرتقي بعلاقات دول المنطقة إلى مستوى أعلى ويضع ضمن أولوياته تحقيق الأمن والاستقرار والمعالجة السريعة لقضايانا الملحة وفي مقدمتها المديونية. ودعا إلى مقاربة هذه المسألة مقاربة جديدة مع الدول المانحة ومع المؤسسات المانحة لأن الديون في كثير من الأحيان لم يتمتع بها الشعب التونسي وعديد الشعوب الأخرى، لافتا إلى ان الكثير من خيراتنا وكذلك ثرواتنا البشرية صارت تهاجر إلى الشمال من ذلك أن أكثر من 500 طبيب في العام الماضي هاجروا إلى أوروبا.
وختم رئيس الدولة كلمته بالتأكيد على أن ترسيخ الديمقراطية والديمقراطية ليست شعارا يرفع بل ممارسة يومية حقيقية تقوم على مؤسسات نيابية تمثيلية ممثلة تمثيلا أمينا لصاحب السيادة وهو الشعب وترسيخ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ومعالجة جذور الخلافات والأسباب العميقة للنزاعات.
وفي نهاية هذا الموكب، الذي شهد مشاركة نحو خمسين ديبلوماسي عبر الانترنات، إلى جانب الحاضرين في قصر قرطاج، تولى رئيس الجمهورية توسيم عدد من الديبلوماسيين تقديرا للما بذلوه من مجهودات من أجل رفع راية الوطن.