مقتطفات على حياة المطربة التونسية عليا
– بيّة بنت بشير بن الهادي رحّال : ولدت في 4 نوفمبر 1936 – توفيت في 19 مارس 1990، (54 سنة).
– تألّق نجمها في مطلع الخمسينات من خلال تكوينها القيم في رحاب الرشيدية على أيدي الثالوث خميس الترنان ومحمد التريكي وصالح المهدي المعروف بزرياب وهو الذي أطلق عليها لقبها الفني “عُلَيّة” تيمنا بأخت الخليفة العباسي هارون الرشيد علية بنت إبراهيم المهدي وقد كانت شاعرة ومطربة.
– كما أن الفضل يعود إلى عازف الكمان رضا القلعي الذي اكتشف باكرا مواهبها الصوتية بحكم مصاهرته لعائلة الرحّال التي كان عميدها رجل المسرح البشير الرحال، حيث كان متزوجا من شقيقتها الكبرى سميرة الرحّال.
– غنّت بيّة الرحال في البداية باسم مستعار “فتاة المنار” حتى لا تتفطّن لها عائلتها المحافظة وخاصّة عمّها عبد المجيد الرحال الذي كان كفلها بالتبني. فكانت فرقة المنار المحطة الأولى في مسيرتها الفنية حيث تألق نجمها بأغنية “ظلموني حبايبي” تأليف رضا القلعي وتلحينه فضلا عن أغنية تراثية ساهمت في شهرتها وهي بعنوان “يا قلبي واش إلّى بكاك بالله قلي”.
– وواصلت عليّة “فتاة المنار” مسيرتها مع فرقة المنار التي كانت تضم أبرز العازفين مثل الثالوث رضا القلعي عازف الكمان وشقيقه أحمد القلعي عازف العود ومحمود القلعي العازف على الناي والكرنيطة إلى جانب الهادي الصنهاجي على آلة الشلو (الكمنجة الوسطى) وإبراهيم المهدي على الة الكونترباص وهو شقيق صالح المهدي، وضابط الايقاع الصادق كومنجي وعازف الطرمبات البشير جوهر.
– أما عن نجوم تلك الفرقة فقد كانت علية في صدارتهم محفوفة بالمطربين الهادي المقراني والهادي القلاّل إلى جانب عز الدين يدير وتوفيق الناصر وصفية الشامية ونعمة وسلاف.
– كانت عليّة نجمة السّهرات الرمضانية التي كانت تُحييها فرقة المنار بقاعة الفتح بباب سويقة تيمنا باسم المطربة فتحية خيري التي يعود إليها الفضل في التدخل لدى الباي لفتح تلك “الكافيشانطا” التي بقيت الوحيدة التي لم تشملها التهيئة العمرانية.
– أما المحطة الثانية فقد كانت الفرقة البلدية للموسيقى العربية التي بعثت سنة 1954 وتولى قيادتها الموسيقار محمد سعادة، لكنها لم تعمر طويلا وأمست نسيا منسيا إلى أن أعاد إحياءها الدكتور محمد القرفي سنة 1976.
– أما المحطة الثالثة فقد كانت فرقة الإذاعة اثر انبعاثها سنة 1957 غداة تونسة الإذاعة الوطنية التي كانت تعرف بفرقة المحطة في عهد أول مدير لها وهو البشير المهذبي.
– كانت علية من أبرز عناصر المجموعة الصوتية التي انبعثت نواتها الأولى في فيفري 1957 إلى جانب الفرقة الموسيقية الأولى والثانية بإشراف الفنان علي السريتي. وكان البشير المهذبي مدير الإذاعة التونسية غداة تونستها سنة 1957 قد بادر بانتداب الفنان المصري فهمي عوض باقتراح من علي السريتي ليلقن المجموعة الصوتية كنوز الموشحات الشرقية والأدوار المصرية.
– ومازال صوت علية بارزا في تلك التسجيلات الصوتية الموجودة في خزينة السمعيات الإذاعية حيث كان فهمي عوض يصاحبها على القانون في المفردات الصوتية التي يسندها إلى علية ونعمة وصفية الشامية.
– كما أن المرحوم خميس الترنان كان بدوره يلقن المجموعة الصوتية مآثر المالوف.
– وكان عبد الحميد السلايتي ملحن أغنية “الكبش يدور” قد أشرف من موقعه كأول رئيس مصلحة الموسيقى الإذاعية في مقر الإذاعة الجديد على سلامة تلك التسجيلات التي حافظ عليها عندما تولى رئاسة مصلحة قسم الوثائق السمعية بالاذاعة. فملأت علية الوطاب بما لذ وطاب من مآثر التراث المغاربي إلى جانب كنوز الرصيد التراثي المشرقي، فلا غرو أن لمع نجمها على الصعيدين المغاربي بأغان من ألحان الفنانين المغاربة مثل أحمد البيضاوي وأحمد بن عبد السلام إلى جانب الألحان الليبية لكاظم نديم وحسن العريبي.
– أما المحطة الرابعة فقد استقلت فيها عليّة بفرقتها الموسيقية التي كان يقودها الفنان حسن الغربي باسم “فرقة العصر”، ولقبت عليّة في حقبة الستينات بمطربة الجيل. فذاع صيتها من خلال العشرات من الأغاني التي راوحت بين الأغراض الوطنية مثل “بني وطني يا ليوث الصدام” شعر عبد المجيد بن جدو ولحن الشاذلي أنور تخليدا لمعركة الجلاء في بنزرت.
– كما غنت علية من ألحان زرياب عدة أغان لعل أبرزها “نظرة من عينيك تسحرني” شعر أحمد خير الدين . وقام الفنان خميس الترنان بتلحين رائعة محمد المرزوقي “غزالي نفر” ومن ألحان محمد التريكي أغنية “مابنك” شعر حمادي الباجي.
– وأدت علية القصائد العصماء لأبي القاسم الشابي “قد سكرنا بحبنا وانتشينا” ألحان صالح المهدي. إلى جانب رائعة الساحرة لجعفر ماجد لحن محمد رضا الذي لحن لها أيضا أغنية “ما نحبش فضة وذهب” كلمات محمد سلام. وتعاملت مع منور صمادح في قصيد “تقوى الشاعر” لحن أحمد حمزة.
– وتبقى أغنية “مالالا” لحن عبد الحميد ساسي أغنية الموسم التي سرت سريان النار في الهشيم وهي من كلمات محمد اللجمي. و”ياليل ارحم خاطري” تأليف محمد بوذينة، وأغنية “سوق السيارة” لحن عبد العزيز عبد الله إلى جانب قصيد “رباه” لحن محمد سعادة وشعر مختار سحنون.
– كما لحن لها محمد البجاوي شهر محمد ساسي “خلي يقولوا أشي يهم” تأليف محمد الجزيري السلايمي. أما علي شلغم فقد لحّن لها أغنية “استر يا ستّار” شعر أحمد خير الدين.
– وغنّت عليّة كذلك من ألحان ونّاس كرّيم قصيد “عش يا فؤادي بالأمل” شعر المختار الحشيشة وأغنية “الحب ليعة حارقة وقوية”. ومن شعر المذيع محمود صابر غنت أغنية “يا وخياني” لحن ونّاس كريم.
– ومن الأغاني التربوية غنّت علية “اقرأ يا ولدي وتعلّم” شعر محمد النوري ولحن موريس ميمون الذي لحن أيضا أغنية “عروستنا” كلمات محمد المولدي شهر رضا الخويني وأغنية “محلى شطك يا رواد” كلمات مختار الفخري. إلى جانب أغنية “يا مولى الجنحان الطاير” كلمات يوسف المؤذن وألحان توفيق خوجة الخيل.
– لكن المتأمل في قائمة الأغاني التي سجلتها عليّة في تونس يلاحظ تعاملها مع الفنانين المصريّين قبل استقرارها بالقاهرة سنة 1971 من ذلك أنّها غنّت “دامعة عين دامعة” لحن بليغ حمدي وشعر عبد المجيد بن جدو إلى جانب عدد من الأغاني لحنها الفنان المصري المولد والتونسي المدفن سيد شطا مثل “يا ظالمة توعد وتخالف”. لذلك لمع نجم علية عندما حطّت الرحال بالقاهرة لا عن طريق الأغنية التراثية “جاري يا حمودة” وإنما بسحر أدائها لدور الموسيقار المصري داود حسني وموشح بيرم التونسي “اعطفي عدل قوامك” لحن الهادي الجويني.
– فلا غرو أن يتهافت الملحّنون المصريون على صوت علية فلحّن لها محمّد الموجي (طرح الهوى) ولحّن لها الملحن الفلسطيني المولد والمصري المنشأ رياض البندك أغنية “لا ملامة” دون أن ننسى أغنية “علي جرى” الرائعة.
– كما شاركت عليه كمطربة وممثّلة في عدّة مسرحيات وأفلام سينمائية “حبايب مصر” تخليدا لانتصار مصر في حرب أكتوبر 1973 مما دفع بالرّئيس المصري الرّاحل محمّد أنور السّادات إلى توسيمها بقلادة النيل تقديرا لمسيرتها الابداعية.
– ولم تكن علية غريبة عن الفنّ الرّابع والفنّ السّابع، فقد مارست المسرح في تونس. كما مثلت في الشريط السينمائي القصير إخراج عمّار الخليفي بعنوان “حبّ وغيرة” وغنّت فيه أغنية “خلّي يقولوا آش يهمّ” لحن محمّد البجاوي شهر محمّد ساسي وهو الذي تقاسم مع علية دور البطولة إنشادا لا تمثيلا في المسرحية الغنائية “ولاّدة وابن زيدون” تقديم الفرقة البلدية للتّمثيل.
– امتدت مسيرة علية الغنائية من 1950 إلى 1990
– وتوفّيت يوم 19 مارس سنة 1990 فيما كانت تستعدّ لاحياء حفل عيد الاستقلال يوم 20 مارس. فقد انتابتها نوبة قلبية فكانت الميتة بغتة ونظّمت لها جنازة تليق بمقامها وقد خرج موكبها من مقرّ الرّشيدية.
# أسامة الراعي#
[ditty_news_ticker id="5039"]