محمد الهاشمي الطرودي إعلاميّ ومناضل سياسيّ تونسي

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

محمد الهاشمي الطرودي المعروف بين رفاقه وزملائه بكنية “الشيخ”، هو إعلاميّ ومناضل سياسيّ تونسي، عُرف بأسلوبه البديع في الكتابة وتحاليله السياسية.

– محمد الهاشمي الطرودي : ولد بنفطة في 26 ماي 1944 – توفي بالعاصمة في 6 نوفمبر 2015، (71 سنة).
– ولد الهاشمي الطرودي ببلدة نفطة، وهناك تلقى دروسه الأولى في حفظ القرآن الكريم وقواعد اللغة العربية، وتابع دروس الفرع الزيتوني في نفطة ثمّ واصل تعليمه بالجامعة الزيتونية في العاصمة تونس.
– في سنة 1962 حدثت محاولة انقلاب فاشلة على الرئيس الحبيب بورقيبة كانت أحد العوامل المهمة في تراجع السلطة السياسية عن حرية التنظم والتعبير، فعمدت إلى حظر الأحزاب واعتماد نظام الحزب الواحد، ومنع الجمعيات والمنظمات وتجميع ما بقي منها في أطر ضيّقة تحت سيطرة الحزب الحاكم، الذي هيمن على المنظمات الشبابية والطلابية وحرص على إبقائها ضمن “اتحاد منظمات الشباب”.
– في هذه الأجواء كان الهاشمي الطرودي يواصل دراسته في الجامعة الزيتونية وكان طبيعيا أن يبحث عن توسيع آفاقه المعرفية وأن يعبّر بشكل أو بآخر عن رفضه التقيّد بما يريد الحزب/الدولة فرضه على الطلبة. كان هوى هذا الشابّ الزيتونيّ بعيدا عن الإطار الرسميّ، فوجد نفسه صحبة رفيقه الأقرب “محمد بن جنات” الذي سيدخل التاريخ فيما بعد بلقب أوّل سجين سياسي تونسي تتبنّاه منظمة العفو الدولية، ويرتبط به الطرودي فكريا أوّلا ثمّ عائليا في علاقة مصاهرة كانت هي الأخرى إستثنائية ومحطة من محطات النضال اليساري في تونس اذ تزوّج “الشيخ” من أخت رفيقه السيدة “حورية بن جنّات” وهو في السجن.. فبعد انضمامه إلى مجموعة «آفاق» اليسارية، وجد نفسه ماثلا أمام محكمة أمن الدولة في أول محاكمة لها سنة 1968 مع كوكبة من الشباب الجامعي، من بينهم نور الدين بن خضر، خميس الشماري، محمد الشرفي، رشيد بللونة وأحمد السماوي…

– استعاد الهاشمي حريّته في أعقاب أزمة التعاضد بعدما أخلي سبيل المساجين السياسيين بمقتضى عفو رئاسي على دفعتين سنة 1970. لكن ما أن احتل موقعه مُجدّدا في ساحات العمل الديمقراطي حتى عادت “طاحونة” الاعتقالات والمضايقات تُطاردُه، وانتهى به المطاف مرّة أخرى في أقبية برج الرومي في 1973، لكن هذه المرّة بغطاء قانوني غير مسبوق، إذ تقرّر إلغاء العفو الصادر بحق سبعة من قدماء برج الرومي، هم نور الدين بن خضر، أحمد الرداوي، رشيد بللونة، جلبير نقاش، محمد صالح فليس، عبد الله الرويسي والهاشمي الطرودي.

– ومع صدور أحكام جديدة عليه من محكمة أمن الدولة في أوت 1974، عرف أن الطريق مازال طويلا أمامه، فاستثمر الزمن المديد لتعلم الفرنسية، وصار يقرأ بها أعقد كتب الاقتصاد وأمهات الفكر السياسي. انغمس في القراءة وأدمن على المعرفة وكأنه قرّر أن ينحت قامة ذاك الإعلامي العصامي الذي صارهُ إثر مُغادرته السجن.

– ثم ارتمى في أمواج الحراك الاجتماعي والسياسي في بواكير الثمانينات، لكن لم يُسمح له بمعانقة المحفظة والعودة إلى الفصل الذي طالما أحبَ، فاضطُرّ للتدريس في المعاهد الخاصّة بمقابل زهيد، لكي يُعيل أسرةً كانت رفيقةُ دربه وحبيبة قلبه “حورية” تُخفف عليه بعضا من أعبائها.

– احتفظ محمد الهاشمي الطرودي بلقب “الشيخ” الذي أطلقه عليه رفاقه اليساريون باعتباره زيتونيّ الثقافة والتكوين إلى آخر حياته وصار اللقب المحبب لزملائه ومعارفه.
– في مقال عنه غداة وفاته كتب أحد الصحفيين: “ثمّة في شخصية الطرودي، سيرة مختزلة للمثقف التونسي؛ إذ إنه مجمّعٌ من التيارات والنظريات والمسارات، وتركيبة من الممكنات الفكرية المتاحة على الأرض العربية. تخرّج من تعليم تمتد تقاليده إلى قرون بعيدة، ولكنه كان حاضراً في العصر، فأكل من ثمرة الحداثة، ثم وجد نفسه شاهداً على تقاسم غنيمة الحكم ووضع لبنات بناء الدولة المستقلة الحديثة، التي سيكون بعد سنوات قليلة من أبرز معارضيها. لقد “نزلت الستارة الحديدية” بداية الستينات في تونس، مع إقرار نظام الحزب الواحد، وكان الرجل قد التحف بـ (بُرنُس) يسارٍ واسعٍ، تنقّل داخله بين مساراته الماركسية والقومية والماوية وتوليفاتها، متفكراً فيها، مقلّباً إيّاها على وجهها عسى أن تستوي على مثال الحالة التونسية”…

– زاول محمد الهاشمي الطرودي مهنة التدريس بشكل متقطع نتيجة التضييقات الأمنية المتواصلة والسجن، كما خاض عديد التجارب الصحفية في جيوب الحرية التي كانت تنبثق أحيانا لأسباب ذات علاقة بالوضع العام والصراعات بين أجنحة السلطة، فكتب في جريدة “الشعب” لسان حال الاتحاد العام التونسي للشغل، وكتب في جريدة “الرأي” التي أسّسها الجناح الليبرالي في الحزب الحاكم المطرودة قياداته من الحزب الحاكم إثر مؤتمر المنستير سنة 1971، وكتب في جريدة الحزب الشيوعي التونسي العائد إلى الساحة إثر رفع الحظر عنه في سنة 1981، وكتب في جريدة “الموقف” لسان حال “التجمع الاشتراكي التقدّمي” الذي تأسس في 1985، ثمّ كانت تجربته المميّزة في “مجلة المغرب العربي” المحتجبة بقرار من زين العابدين بن علي في أول التسعينات، والعائدة بعد ثورة 2011 في شكل جريدة يومية بعنوان “المغرب”، وترأس تحريرها واشتهرت الجريدة بتحاليل “الشيخ” الطرودي ومواقفه المناصرة للحرية والتعدّدية ومناهضة مظاهر تديين المجتمع وتوظيف الدين والتديّن في خدمة مشروع حزبي/مجتمعي له برنامج معادٍ للحرية وعامل على جعل تونس أرضا لتطبيق الشريعة إن لم تكن خلافة على الشكل القروسطي..

– أصدر محمد الهاشمي الطرودي عدّة كتب منها:
* مأساة بغداد
* كتاب الأحياء
* أضواء على اليسار التونسي

– كما نشرت له دار محمد علي للنشر سنة 2016 بمناسبة الذكرى الأولى لوفاته، كتابين يضمّان عددا كبيرا من مقالاته وتحاليله وتغطياته الصحفية بعناية من الاتحاد العام التونسي للشغل وزياد كريشان مدير تحرير جريدة المغرب:
* “المشهد السياسي بتونس (2015-1960) في البحث عن كتلة تاريخية” جديدة.
* “الإسلام السياسي في تونس: هل من خصوصية؟”.

– علمًا وأنّ المكتبة الوطنية التونسية نظّمت بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ندوة فكرية بالاشتراك مع الاتحاد العام التونسي للشغل وجريدة المغرب وعائلته في 30 نوفمبر 2016 .

# أسامة الراعي#

 

Loading