موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابي حاطب
قرر حاطب أن يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يخبر قريشًا بقدوم النبي إليهم
وكان السبب أن {{ حاطب }} كان له بمكة بعض أهل بيته
وكانت له تجارة في قريش، وكان {{ حاطب}} يعاني من إيذاء قريش له في أهله وماله في مكة
فأراد {{حاطب}} أن يؤدي لأهل مكة خدمة، حتى لا يؤذونه في أهل بيته ولا في تجارته
فكتب {{حاطب}} إلى أهل مكة كتابًا أخبرهم فيه بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم
وأعطى {{حاطب }} هذه الرسالة إلى امرأة في المدينة اسمها {{ سارة}} وكانت {{ سارة }} مغنية تغني في مكة
وكانت قد قدمت المدينة تشكو الحاجة
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:- ما كان في غنائك ما يغنيك؟
فقالت: _ إن قريشًا تركوا الغناء منذ قتل منهم من قتل ببدر
فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عرض عليها الإسلام فرفضت، وقبل منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تظل بالمدينة على كفرها
فأعطى {{حاطب }}الرسالة إلى هذه المرأة، وأعطاها مبلغًا من المال على أن تبلغ هذه الرسالة إلى قريش
وقال لها: _ أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق، فإن عليه حرسًا
فخرجت فسلكت غير الطريق ، وجعلت الكتاب في قرون رأسها [[ أي ضفائر شعرها خوفًا أن يطلع عليه أحد]]
وهي لا تعلم مضمون الكتاب
ولبست لباسها وكان لباسهن مسلمات وغير مسلمات احتشامًا كاملًا
واتجهت نحو مكة وعندما رأى الحرس امراة تركب دابة لم يلتفتوا إليها فليس لهم شأن بها فتركوها
فهبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بما صنع حاطب
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :_قم يا علي والزبير وطلحة والمقداد، و أدركا امرأة بمحل كذا، قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم
فخذوه منها وخلوا سبيلها، فإن أبت فاضربوا عنقها
فخرجوا مسرعين خلفها ، حتى أدركوها في ذلك المحل الذي ذكره
فقالا لها:_ أين الكتاب؟
فحلفت بالله ما معها من كتاب، فاستنزلاها وفتشاها والتمسا في رحلها فلم يجدا شيئًا
فقال لها علي :_ إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ولا كذبنا، ولتخرجن هذا الكتاب، أو لنكشفنك ( هم لن يفعلوا ولكن من باب التخويف )، ونمزق عليك الثياب
[[امرأة مشركة وفنانة ، ليست مسلمة ولما سمعت كلمة نمزق الثياب صاحت بأعلى صوتها لاااا لااااا ورب الكعبة سأعطيكم الكتاب ، إياكم أن تمزقوا ثيابي ، واليوم المسلمة تمزق ثيابها ، وتدور في الأسواق على موضة بنطلون ممزق ]]
قالت :_ أعطيكم الكتاب ، ولكن اصرفوا وجوهكم عني
[[ أيضًا !!! لا تريد أن تحل جديلة شعرها فيروا شعرها لأجل أن تخرج الكتاب ، كان إذا انكشف شعر المرأة تقوم حرب بين العرب
واليوم نحارب لاننا نطلب منهم أن يستروا شعرهن ]]
فأعرضوا بالنظر عنها
فكشفت شعرها ،و حلت قرون شعرها ، واستخرجت الكتاب منه ، فأخذ علي الكتاب منها ثم تركوها وانصرفوا
__________________________________
ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه
فقال :_ اقرأ الكتاب يا علي [[ وكان علي قارئ ]] وحاطب يجلس بين الناس
فقرأ علي :_
{{ من حاطب ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم، فإنه منجز له ما وعده فيكم، فإن الله تعالى ناصره ووليه }}
فنظر النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب
وقال له :_ ماهذا يا حاطب ؟ !!
فقال حاطب:_ بأبي وأمي أنت يارسول الله ، والله ماكفرت منذ أن آمنت ، ولكن أمهلني حتى أقول لك
قال :_ قل
قال :_ يا رسول الله، لا تعجل علي إني كنت امرءا ملصقًا في قريش [[يعني حليفًا لقريش ولست من قريش ]]
وليس أحدًا من أصحابك ، من المهاجرين إلا ولهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم ، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم، أن اتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضًى بالكفر بعد الإسلام
فقال النبي :_ أما إنه فقد صدقكم
[[كان ما فعله حاطب رضي الله عنه جريمة شنعاء، وبتعبير العصر فهي خيانة عظمى، لأنه أفشى سرًا عسكريًا خطيرًا كان يمكن أن يعرض الجيش الإسلامي كله لخطر عظيم
ولذلك فان {{عمر بن الخطاب}} لم يقنعه ما قاله حاطب، فهو بذلك يحمي أهله على حساب جيش بالكامل ]]
ولذلك قال عمر:_ يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:_ لا يا عمر ومن قال لك انه منافق ،
أنسيت أنه بدري ، ومايدريك يا عمر أن الله تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر
فقال:_ قد رضيت عنكم فافعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم
يقول عمر :_ فما بقي بدري في المسجد إلا وجهش [[ بكى ]]
ثم اكب حاطب على يدي النبي صلى الله عليه يقبلهما ويبكي ويقول :_ والله لم أنافق يا رسول الله
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له :_ وأنا أشهد
حبيبي يارسول الله ، أيها الرحمة المهداة للناس من رب العالمين
——————————————–
فالرسول صلى الله عليه لم يعف عن حاطب فقط، وإنما أيضًا رفع من قدره أمام المسلمين، لأن حاطب قدم تضحيات كثيرة، وله رصيد عند النبي صلى الله عليه وسلم
فليس معنى أنه أخطأ مرة أن ينسَ له النبي صلى الله عليه وسلم ما قدمه من قبل
و الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا يريد أن يكون عونًا للشيطان على {{حاطب}} فالمسلم عندما يكون صالحًا ويرتكب ذنبًا يوسوس له الشيطان أنه قد أضاع كل شيء ويحبطه عن التوبة
و النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد لحاطب أن يسقط في هذه الدائرة، بل على العكس يريد أن يأخذ بيده حتى يخرج به من هذه الأزمة
والبطولة هي أن تأخذ بيد المخطىء وتصلحه لا أن تسحقه
______________________________
وقد سجل القرآن العظيم هذا الموقف لحاطب بن أبي بلتعة في أول سورة الممتحنة، يقول تعالى
{{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }}
ونلاحظ ان الله عزوجل بهذه الآية يشهد لحاطب بالإيمان
{{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}}
إذًا وصفه بالايمان ، وقوله عدوي وعدوكم أي يا حاطب أعدائي هم أعداؤك لأنك من أهل الله وخاصته فأنت مع الله ورسوله وعباده الصالحين
ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه مرة أخرى
{{اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها }}
———————————–
خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة بجيش قوامه
{{ ١٠ آلاف مقاتل }} مدجج بالسلاح
الله الله ، ما أجمل دين الله
الله الله ، ما أعظم كلام الله
{{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }}
سبحانك ما أعظمك ، سبحانك ما أجملك ، سبحانك ربي سبحانك
لقد هاجر إلى المدينة صلى الله عليه وسلم قبل {{ ٨ سنوات إلا ٣ أشهر }}
وحده بصحبة الصديق ومطارد في الطريق ، واليوم يرجع إلى مكة على رأس{{ ١٠ آلاف }} موحد بالله لو أمرهم أن يزيلوا الجبال لأزالوها ، هكذا من صدق الله
لم تشهد الجزيرة هذا العدد الكبير من الجيوش إلا جيش أبرهة في عام الفيل وهو العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بخمسين عامًا، ثم في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة
وكان قوام الجيش من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار
{{ ٧٠٠ من المهاجرين }}
{{ ٤ آلاف من الانصار }} أهل المدينة
والبقية من القبائل العربية التي دخلت الإسلام
وجاءت إلى المدينة للإنضمام إلى الجيش استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، أو لحقت بالجيش وهو في طريقه من المدينة إلى مكة
وكان خروج الجيش من المدينة في {{ ١٠ رمضان }} من السنة الثامنة من الهجرة
وكان النبي صلى الله عليه وسلم صائمًا والجيش كله كان صائمًا، حتى إذا وصلوا إلى موضعٍ اسمه {{ الكديد}}
أفطر النبي صلى الله عليه وسلم، فأفطر المسلمون
وظل النبي صلى الله عليه وسلم يفطر حتى دخل مكة
وقد أخذ الفقهاء من ذلك أن المسافر له أن يصوم وله أن يفطر
________________________________
في ذلك الوقت كانت قريشًا لا تعلم شيئًا عن تحركات المسلمين،
وقد أعمى الله الأخبار عن قريش إجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم ، فلم يعلموا بوصوله إليهم، ولم يبلغهم حرف واحد من مسيره إليهم
وفي هذه الأثناء خرج {{العباس بن عبد المطلب}} عم النبي صلى الله عليه وسلم ، بأهله من مكة مهاجرًا إلى المدينة، وكان {{ العباس }} من السابقين في الإسلام،
ولكنه لم يهاجر منذ ذلك التاريخ ولمدة {{ ٦ سنوات }} بالرغم من أن الهجرة قبل فتح مكة كانت فرضًا ، لأنه كان عينًا للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة
فكان {{ العباس}} هو آخر من هاجر من المسلمين، فقابل {{العباس}} جيش المسلمين في منطقة {{ الجحفة }} وسر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وانضم {{ العباس}} إلى جيش المسلمين المتجه لفتح مكة ، وأرسل أهله وثقله إلى المدينة
________________________
فلما وصل صلى الله عليه وسلم إلى {{ مَرّ الظهران}} وهو وادٍ في شمال مكة
يبعد عن مكة {{ ٢٢ كم }} ويسمى الآن {{ وادي فاطمة}} فعسكر الجيش هناك
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، الجيش بأن يوقد كل منهم نارًا
فأوقدوا عشرة آلاف نار، حتى إذا رأتهم عيون قريش فتصيبهم الرهبة من الجيش، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم قائد الحرس {{ عمر بن الخطاب}}
____________________________
أما {{ العباس}} عندما رأى جيش المسلمين وكثرتهم
علم أن قريشًا لا قبل لها بهذا الجيش
وعلم أنه إذا وقع قتال ، فسيتم سحق قريش تمامًا
وأشفق {{ العباس بن عبد المطلب}} على قريش
فركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم واتجه إلى مكة، حتى يقنع قريش بأن تستسلم وأن تطلب الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم
يتبع إن شاء الله ……