نصر الدين بن مختار، فنّان كوميدي تونسي
– نصر الدين بن مختار : ولد في 13 مارس 1959 – توفي في 18 فيفري 2013، (54 سنة).
– يعتبر نصر الدين بن مختار من الجيل الثاني للفنانين الكومديين حيث برز رفقة أسماء كثيرة مثل نور الدين بن عياد والمنجي العوني…
– كان لنصر الدين مقدرة على استحضار الطرفة في المباشر وتوليدها، لقد قلّبها على جميع أوجهها : اشتغل على ”الاسكتشات“ الواقعة بين ما بقي في الذاكرة وما يتم تطويعه للحظة، وذهب نحو التقليد والبحث في الشخصيات النمطية في المجتمع التونسي.
– انطلق نصر الدين بن مختار كأحد هواة الكوميديا، حاول أن يطرق الأبواب المتوفرة وقتها للوصول إلى الناس، ولكنها صدّته جميعها طوال الثمانينيات. كان الأمين النهدي هو أول من قدمه عندما كان مشرفًا على فرقة المغرب العربي، حين منحه دورًا في مسرحية ”الناقوس“ لكنه ظل حبيس شهرة ضيقة بالرغم من أنه حظي منذ بدايته باستحسان كل من حوله.
– صعد نجم بن مختار في التسعينيات بفضل أشرطة الكاسيت التي كان يصدرها ويجمع فيها نكتا في مواضيع متنوعة كالنقل العمومي وغلاء المعيشة وتغوّل الأعراف.
– وعرفت أشرطة كاسيت مثل: ”يوم القيامة“، و”كل شيء بالفلوس“ أرقام مبيعات كبيرة.
– كان الكاسيت فرصة انتزعها نصر الدين بن مختار لنفسه كي يبرز، فلم تكن أبواب الإعلام العمومي أو وزارة الثقافة مفتوحة له. فهو محسوب من بين المهمشين على الأطراف النخبوية التي بادلها الازدراء وهاجمها كما يحلو له وكأنه هجاء محترف.
– في التسعينيات، كانت النكتة من الوسائل القليلة لتمرير نقد ما للأوضاع، لقد غابت وقتها الموسيقى الملتزمة والسينما والمسرح الهادف، هذه الفنون التي ميَّزت الثمانينيات. ولم يتأخر نصر الدين بن مختار في مزج الاجتماعي بالسياسي، فكل المشاكل في الحقيقة تقع تحت سماء السياسة المسكوت على مسؤوليتها.
– لقد عبَر نصر الدين بن مختار إلى الناس من ثغرة الضحكة الصادقة، هذه المادة الهلامية التي لم تستطع الأجهزة الأمنية ولا حتى حُقن الرعب التي تبثها في النفوس وجوّ العبوس العام أن تنتزعها من التونسيين.
– في مرحلة ثانية، وجد لنفسه وسيلة جديدة يفتكّ بها الاعتراف ويمر إلى أكبر شريحة من الناس عبر العودة للمسرح.
كانت مسرحية ”ضحكولوجيا“ في نهاية التسعينيات عملا جماعيًّا صعد بجيل كامل من الفكاهيين ”المنبوذين تلفزيًّا“ إلى ركح المسرح مثل المرحوم عفيف اللقاني أو عبد القادر دخيل، لقد قرروا أن يأخذوا حقوقهم من شهرة ومال وتقدير بعيدًا عن مساومات المسؤولين والمكاتب.
– ثم تقدم خلال العشرية التالية نحو مسرح ”الوان مان شو“ حين أدرك أنه أصبح في حجم هذا النمط المسرحي، فقدم بالخصوص مسرحية ”حي الأكابر“ حيث سخر من الوجوه المشهورة في تونس.
– وبعد الثورة قدم مسرحية ”بطيخ الثورة”.
– في وقت ما من التسعينيات لم يعد أحد يستطيع أن ينكر عليه موهبته وقدراته، تجرأ نجيب الخطاب وقدمه في أحد برامجه ليصبح نصر الدين بن مختار منذ ذلك الحين ضيفًا يقلب البلاتوهات بالضحك وقت مروره عليها لدقائق فحسب. وهكذا صنع صورته كخالق للطرائف من أي مادة متاحة.
– ظهر في برامج الألعاب مثل برامج هالة الركبي وفي البرامج الرياضية مثل ”بالمكشوف“.
– تناول بن مختار أبرز مكونات المجتمع التونسي بداية من المواطن البسيط واستخرج منه مجموعة من الشخصيات النمطية مثل ”البهناس“ و”الزبراط“ و”الخَلِيقَة“، ووظّف في اسكتشاته مختلف اللهجات الجهوية لما تختزنه هي الأخرى من خصائص، وصولا إلى رجال الإعلام والثقافة والرياضة، ومؤخرًا وضع السياسيين تحت مشرط فكاهته، وطوّر من أجل ذلك تقنية التقليد لديه التي تحولت إلى نمط فكاهي تونسي بامتياز بصعود مجموعة من المقلدين الجيّدين.
– لو عدنا إلى ما قدمه الفكاهيون طوال العشرية الأخيرة من حياته، لوجدنا أن نصر الدين بن مختار، حين انفتح المجال أمامه، وقدمته القنوات التلفزية الخاصة، عرف كيف يصل بمادته الفكاهية للناس رغم ضغوط التخويف وجفاف الروح المرحة والخيال.
– هناك جانب جدّي في منجز نصر الدين بن مختار، وهو أنه اشتغل بحرص كبير على النكت التونسية، سواء بابتداعها أو بتجميعها، خاصة أنه لعب على الصنف الذي يقع في خانة المشترك الذي يمكن للجميع تداوله. فهو من القلائل الذين وضعوا على محامل ما تبتدعه القريحة الشعبية في المقاهي والأحياء، ثم يهذبها نظرًا لتقاطعها في الغالب مع الإباحية التي يعرف نصر الدين كيف يذوّبها فيما لا ترفضه آذان التونسيين، ومن زاوية أخرى يمكن أن نرى أن النكت جزء من التراث اللامادي التونسي الذي لا نجد غير كاسيتات نصر الدين بن مختار قامت بتجميعه خلال الثمانينيات والتسعينيات ثم تحولت أشرطة الكاسيت إلى ظاهرة لدى أغلب الفكاهيين.
– توفي نصر الدين بن مختار يوم 18 فيفري 2013 بعد تعرضه لجلطة دماغية نقل على اثرها الى المستشفى في حالة خطرة ووضع في العناية المركزة.
@ أسامة الراعي@
متحصل على :
شهادة الأستاذية في التاريخ.