يحيى التركي، رسام تونسي
– يحيى التركي : ولد سنة 1902 – توفي في 1 مارس 1969، (59 سنة).
– هو يحيى بن محمد بن الحاج رجب الحجّام، ولد بأنقرة. لقّب بالتركيّ نسبة إلى أمّه التي كانت تحمل الجنسيّة التركية. والده أصيل مدينة جربة.
– عاش بمدينة تونس بعد أن قدم أبوه من تركيا وهو صبّي. زاول دراسته الابتدائية بالمدرسة الصادقية ثم بمعهد كارنو، ثمّ انتقل في المرحلة الثانويّة إلى المعهد العلوي وكان أستاذه في الرسم (Georges Le Mare). رعاه هذا الأستاذ واكتشف لديه مواهب واعدة في ميدان الفنّ التشكيلي. وكان والده معتنيا بتربية ابنه الوحيد يحيى، فوفرّ له دروسا خاصّة لدى الرسّام (Perika) لصقل موهبته وتشجيعه على التألّق في هوايته. وأصبح يحيى في السنوات الموالية تلميذا لـ(Alexandre Fichet) الذي كان في الوقت نفسه مديرا للصّالون التونسي. فدعاه للعرض فيه سنة 1923. ومن ثمّ التصق مصير يحيى بالفنون التشكيلية.
– رأى Fichet في يحيى عنصرا واعدا. فتوسّط له في الحصول على منحة للإقامة بباريس لمدّة سنتين. فسافر إليها سنة 1926. وبعد انتهاء تلك الفترة ورجوعه إلى تونس أيقن أنّ اكتشافه لمدينة النور كان بمنزلة ولادة جديدة. فبقي يعمل على الرجوع إليها إلى أن تحقّق ذلك سنة 1931.
– عاد الرسّام إلى باريس، وتعرف هناك على أهمّ المراكز الفنيّة في ذلك الوقت ومن أهمّها حيّ (Montparnasse). وقد تعرّف إلى أكبر الفنّانين الانطباعيّين وكانت له صداقة خاصّة تربطه ب (Marquet) أحد كبار الانطباعيين الذين زاروا تونس فيما بعد.
– نهل يحيى التركي الكثير من معين المدرسة الانطباعية. وهي مدرسة غيّرت مسار النظرة الفنيّة التي طغت عليها ثقافة عصر النهضة الايطالية إلى حدّ نهاية القرن التاسع عشر. فالانطباعّية ثورة فكريّة وفنيّة، تعتمد الاكتشافات العلمية منطلقا لها: فالاكتشافات الفيزيائية التي أثبتت أنّ الضوء الأبيض مكوّن من كلّ الألوان وأنّ الألوان تنقسم إلى بدائية وثانوية، أدخلت ثورة في استعمال الألوان، كما أنّ تقنيات التصوير الفوتوغرافي الحديثة كشفت عن التركيب الداخلي للصورة. وهو أنّها مكونّة من نقاط متراصّة أو متفرّقة حسب الحالة. أمّا التوجّه الأهمّ لهذه الحركة الفنيّة فهو التخلّي عن الموضوع، باعتباره غاية في حدّ ذاته. فأصبح يتّخذ تعلّة يفسح بمقتضاها المجال لتعبير الألوان الذي أضحى الهمّ الأكبر لكونه ترجمان الجمال والاحساس.هذه المدرسة أثّرت في يحيى التركي. فسعى إلى التحرّر من قيود الفنّ الاستشراقي الذي تلقّى تأثيره عبر الفنّ الاستعماري في تونس. وقد تعرّف يحيى إلى فتاة فرنسيّة تدعى Berthe، فتزوّجها. وقضّى فترة من الاستقرار تمكّن فيها من عرض أعماله بصفة دائمة بالمبنى الذي أسهمت به تونس في المعرض العالمي بباريس.
– وعند وفاة والد زوجته رجعت إلى مسقط رأسها للالتحاق بعائلتها. فافترقت الطرق والرؤى، وقرّر يحيى العودة إلى تونس سنة 1935.
– وعند رجوعه إلى أرض الوطن التحق بالوسط الفنّي وكان مجلسه بمقهى باريس، تشدّ إليه الرّحال، وكلّ جلسائه يصغون بإعجاب إلى ما يرونه من أحداث مدينة النّور.
– وفي سنة 1936 أقام معرضا شخصيّا بفضاء جريدة (Le Petit Matin) وهو رواق كانت الجريدة تضعه على ذمة الفنانين، خدمة للفنّ. قدّم يحيى في هذه التظاهرة تجربة جديدة تدور حول اتجاهات المدرسة الانطاعية. فأعطى للضوء وللّون المرتبة الأولى، كما تصرّف في اللون الذاتي للأشياء المرئيّة. فأصبحت الجدران بنفسجية وورديّة اللّون، في حين ضاع الخطّ المحدّد للأشكال، تاركا للفرشاة حرّيّة التعبير العفوي. وبفضل ذلك اقترب يحيى من معاصريه Moses Levy وJules Lellouche.
– بعد هذا المعرض أعجبت الطبقة المثقّفة، من أطبّاء ومحامين، بعمل يحيى فاقتنوا الكثير من لوحاته، وحصل يحيى بعد أشهر من معرضه على الجائزة الأولى للمعلّقة الدعائيّة في تونس.
– وفي سنة 1961 فاز بالجائزة الأولى لمدينة تونس. تزوّج يحيى مرة ثانية، كما باشر التدريس بمدرسة ترشيح المعلّمين بتونس. وهكذا عرف الاستقرار بعد أن قضّى حياة غلبت عليها المجازفة وحبّ الترحال.
– وقد كان له سنة 1956 شرف رئاسة الجماعة التي عرفت ب “مدرسة تونس” حين استقلّت البلاد، وذلك باقتراح من مؤسّسها Pierre Boucherle.
– لقد كان يحيى يحظى بتقدير كلّ معاصريه، وقد لقبّه حاتم المكيّ في إحدى مقالاته ب”أب الرسّم التونسي”. توفيّ بتونس يوم 1 مارس سنة 1969.
@ أسامة الراعي@
متحصل على :
شهادة الأستاذية في التاريخ.