ذاكرة وطن نشأة حزب استقلال تونس : الحزب الحر الدستوري الجديد

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

– مثّل مؤتمر قصر هلال في 2 مارس 1934 تحوّلا نوعيا في تاريخ الحركة الوطنية التونسية، وتتويجا لتصوّرات نضالية صاغتها مجموعة من المثقّفين الدستوريين من ذوي التعليم العصري، والمتشبعة بالفكر التنويوي والليبرالي منذ مطلع ثلاثينات القرن الماضي.

– كانت الأزمة التي شملت مختلف الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتي كانت تتخبّط فيها البلاد التونسية من جراء التسلط الاستعماري قد مهّدت لانعقاد هذا المؤتمر رغبة من المؤتمرين في إيجاد طرق عمل جديدة لمواجهة المستعمر وتفضي الى الاستقلال والحرية.

– والملاحظ أنّ سياسة تدعيم الوجود الاستعماري قد أدت الى تدهور حالة المجتمع التونسي بما في ذلك الطبقات الارستقراطية والفقيرة منه. فالأولى اندمجت في المجتمع الاوروبي الجديد وتأثرت بنمط عيشه. أما الطبقات الشعبية فإنها سجلت بداية من 1930 نموّا ديمغرافيا كبيرا الى جانب تفاقم البطالة في الأرياف. كما تدهورت أوضاع الصناعات المحلية أمام مزاحمة المصنوعات الأوروبية ونتج عن ذلك تأزم الاوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، بالاضافة الى تدهور الاوضاع السياسية منذ عام 1926.

– وبسبب الأوامر الاستثنائية للإقامة العامة الفرنسية ومنها المنع الكامل للحريات والتجمعات العامة، ركدت الحركة الوطنية واقتصر نشاط الحزب الدستوري على بعض الاجتماعات المضيّقة والمطالب التي لم تكن لتؤثر في القوانين الاستعمارية الغاشمة.

– اغتنم الزعماء الشبان الذين عادوا من فرنسا وعلى رأسهم الحبيب بورقيبة ومحمود الماطري والطاهر صفر، اغتنم هؤلاء فرصة انعقاد المؤتمر الافخارسي الشهير (6 ماي 1930) والاحتفالات بخمسينية انتصاب الحماية (1931) لنقد السياسة الاستعمارية والتحدي الواضح والمتعمد للشعب التونسي في مشاعره الدينية ومقومات شخصيته الوطنية.
وتحت تأثير المعمرين قرر المقيم العام يوم 31 ماي 1933 تجميد الحزب الدستوري، وتعطيل كل الصحف الناطقة بالفرنسية. وكان رد الفعل يوم 15 جوان، حيث تظاهر عملة الرصيف بالعاصمة. ورأت الجالية الفرنسية في موقف المقيم العام ضعفا فعملت على تغييره بمن هو أصلب منه فعيّنت الحكومة الفرنسية في 29 جويلية 1933 مقيما عاما جديدا هو “مرسال بروتون” الذي جاء ببرنامج يرتكز على ثلاث نقاط: القضاء على الحركة الوطنية وإعادة توازن الميزانية، وتصفية وضعية المعمرين المثقلين بالديون.

– وعلى إثر قيادة الحبيب بورقيبة لوفد عن المنستير لمقابلة الباي احتجاجا على تصرف المراقب المدني الذي أمر بدفن إبن أحد المتجنسين في مقبرة المسلمين أرسلت له اللجنة التنفيذية للحزب توبيخا..! فقدم بورقيبة استقالته من اللجنة وتبعه في ذلك بقية رفاقه.

– وفي أوائل جانفي 1934 اتصل الحبيب بورقيبة والطاهر صفر بِشُعَب الساحل لتوضيح موقفها من أعضاء اللجنة.
– وبقصر هلال وبطلب من العديد من الدستوريين عقد بورقيبة اجتماعا بمنزل أحمد بن عياد وكوّن ورفاقه لجنة وقتيّة ودعوا الى مؤتمر خارق للعادة يوم 2 مارس 1934.

– وقد أبدت الكثير من الشعب رغبتها في عقد المؤتمر لحسم النزاع في حين رفضت اللجنة التنفيذية (قيادة الحزب القديم) رفضا باتا انعقاد المؤتمر الاستثنائي.

– دام المؤتمر يوما واحدا بحضور نواب الشعب الدستورية، وشهد ميلاد حزب جديد هو الحزب الحر الدستوري الجديد. وأطلق المؤتمرون على قيادة الحزب اسم «الديوان السياسي» وضم في البداية كُلاّ من محمود الماطري رئيسا، الحبيب بورقيبة كاتبا عاما، محمد بورقيبة، الطاهر صفر والبحري قيقة أعضاء. وتم بعث هيكل أوسط سمّي “المجلس الملّي” يتكون من 20 عضوا تم انتخابهم خلال المؤتمر وتتمثل مهمته في مراقبة الديوان السياسي.

– رفضت اللجنة التنفيذية حضور المؤتمر وسعت الى إبطاله بإرسال المناشير الى الشُّعب تحذرها من الخروج عن “السراط المستقيم”. وتجلى رفض اللجنة في المؤتمر الذي عقدته يوم 27 أفريل 1934 بزنقة غرنوطة بالعاصمة. وشنت اللجنة حملات صحفية ضد بورقيبة ورفاقه ونعتت المؤتمر بأحلام الفلاسفة وبالرواية المضحكة والمهزلة الصبيانية.

– أما المقيم العام بيرطون فقد عمد منذ 3 سبتمبر 1934 الى إبعاد جل زعماء الحركة الوطنية الى الجنوب التونسي فاندلعت موجة من المظاهرات الاحتجاجية أدت في بعض الاحيان الى مصادمات دموية (مقتل 5 تونسيين يوم 5 سبتمبر 1934 بالمكنين). وبالتوازي مع هذه الحملة تعاطف الطلبة التونسيون بالجامعات الفرنسية مع الزعماء المبعدين وكوّنوا لجنة للدفاع عن الحريات (سبتمبر 1934) وعملوا على كسب تأييد الاوساط التحررية الفرنسية وعلى إطلاع الرأي العام الفرنسي بما يجري في تونس.

– واستطاع الحزب الجديد تجاوز محنته وأُفرج عن قيادته فكثّف أعضاء الديوان السياسي نشاطهم بعقد الاجتماعات والاتصال بالشعب في مختلف أنحاء البلاد وعزز الحزب قاعدته، فارتفع عدد شُعبه الى 486 شعبة عام 1936 وقُدّر عدد منخرطيه بأكثر من 100 ألف منخرط.

– ومن النتائج التاريخية التي أفرزها المؤتمر الذي سماه بعضهم “مؤتمر البعث”، الحاق الهزيمة باللجنة التنفيذية وانتصار ما يسمى بجماعة «لاكسيون» الذين عُرفوا بالاتصال المباشر والقيادة الميدانية.
– وقد اقتصر مؤتمر قصر هلال على تبنّي التسمية القديمة للحزب، مع اضافة لفظ «الجديد» فأصبح الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد. كما تم تغيير تسمية الهيئة المشرفة على الحزب فأصبحت تدعى “الديوان السياسي” عوضا عن “اللجنة التنفيذية”

– لقد ظهرت حركية كبرى إثر المؤتمر في صفوف جميع الاحرار الدستوريين بكافة أنحاء البلاد. وبرزت في الأفق موجة تبشر بانبعاث نضج فكري سيترعرع مع مرور الايام.
– وقد كان شعور السلطات الإستعمارية بأن المواجهة مع الزعماء الجدد تختلف تماما عما ألفته من “اللجنة التنفيذية” وبدأت ترجح كفة الخيبة على كفة الفوز رغم بطش وجبروت “مارسال بيرطون” ومسانديه من المعمرين والعملاء.

@ أسامة الراعي@

Loading

أسامة الراعي

متحصل على : شهادة الأستاذية في التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *