الحرقة : رحلة البحر التي تحبس الأنفاس وما بعدها في ايطاليا !
بعد نجاحهما في عمل “المايسترو” وتسليط الضوء على واقع الإصلاحية في تونس عاد الثنائي المبدع لسعد الوسلاتي وعماد الدين الحكيم بعمل جديد بعنوان “الحرقة” لرصد الواقع الإجتماعي القاتم والمتدهور للقارة السمراء نتيجة الفقر والتهميش والحڨرة والإستغلال الفاحش والنهب والحروب الأهلية …
مسلسل الحرقة الذي انطلق بتصويب العدسة على ظاهرة الهجرة السرية لأبناء الشعب المفقرين والأفارقة الفارين من بشاعة الحرب الأهلية في بلدانهم كشف أيضا ظلامية الجنة الموعودة التي كانوا يحلمون بها ليصطدموا بجحيم العنصرية والرفض والإقصاء والموت المحتوم.
مسلسل “الحرقة” وإن لم يكن إستثنائيا في القضايا المطروحة فقد كان إستثنائيا في أسلوب طرحها فكانت الإيقاعات الفنية والمؤثرات الصوتية والموسيقية حاضرة بقوة لتمتزج بجمالية الحوارات بين الممثلين واتقان كبير في تجسيد الأدوار التراجيدية ليشهد تألقا لافتا لمجموعة شابة على غرار أميمة البحري وحسني العكرمي وسناء حبيب مع عناصر الخبرة بقيمة مهذب الرميلي ووجيهة الجندوبي وعائشة بن أحمد وغيرهم.
تمكن “الحرقة” أن يقيم نقلة نوعية في الأعمال الدرامية التونسية بعد أن عرفت روتينية في المشهد والعبارات والموسيقى لمدة عقود ليخلق فيها روح جديدة بأسلوب فني مستحدث ذكرنا بالأعمال السينمائية العالمية مثل just mercy و The color purple و Fences و fire at sea و la pirogue
“الحرقة” الذي صور معاناة الشعوب الفقيرة في تونس وافريقيا جراء سياسات الحكومات الفاشلة وسياسات الإستعمار والإستغلال الفاحش لهم، صور كذلك الوجه الآخر للشمال الذي فشل في احتضان المهاجرين وفي معالجة قضاياهم وقضايا المعرضين لكل أشكال الاستغلال والعنصرية والتمييز وظلت مجرد شعارات سياسية ترفع في ندوات وتظاهرات المنظمات الدولية.
إذا “الحرقة” وبأسلوب فني رائع استطاع أن يلامس الواقع البائس وأن يعيد فتح ملف الهجرة السرية من جديد على طاولة الحكومات وعلى مشاغل الرأي العام لعلنا نقطع نهائيا مع سياسة “تعلم عوم” ويظهر حق كل مظلوم ويحاسب كل ظالم، ليستطيع أبناء الوطن العيش بكرامة وفي ظروف لا يخيرون فيها بين الموت في البحر أو الموت على اليابسة.
“ما الوطن يا صفية ؟
الوطن ألا يحدث هذا كله.”
غسان كنفاني
بقلم محمد خليل الخضراوي
Mohamed Khalil Khadhraoui