زين العابدين بن علي، الرئيس الثاني لتونس منذ قيام النظام الجمهوري في تونس
توفي في مثل هذا اليوم 19 سبتمبر من سنة : 2019 – زين العابدين بن علي، الرئيس الثاني لتونس منذ قيام النظام الجمهوري في تونس.
– زين العابدين بن علي : ولد في 3 سبتمبر 1936 – توفي في 19 سبتمبر في جدة بالمملكة العربية السعودية (83 سنة).
– ولد ونشأ بحمام سوسة لأسرة متواضعة
. درس في المعهد الفني بسوسة، وفشل في إتمام دراسته والحصول على شهادة المهني الصناعي، فالتحق بالجيش الوطني عام 1958.
– حصل على دبلوم من المدرسة المختصة للجيوش في “سان سير”، ثم من مدرسة المدفعية في “شالون سور مارن” بفرنسا.
– أرسله حماه (والد زوجته الأولى نعيمة) الجنرال كافي إلى دورة في المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن في بلتيمور، ومدرسة المدفعية الميدانية في تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية.
– شغل وظائف عديدة، فعمل ضابطا في أركان الجيش حين تمَّ تأسيس إدارة الأمن العسكري عام 1964، وخدم لفترة قصيرة ملحقا عسكريا في المغرب وإسبانيا عام 1974.
– عُيِّن مديرا عاما للأمن الوطني سنة 1977 ثم سفيرا لتونس في بولونيا لمدة أربع سنوات.
– في جانفي 1986 تمّ تعيينه عضوا في الديوان السياسي للحزب الاشتراكي الدستوري، ثم أمينا عاما مساعدا للحزب، بعد أن ترقى لرتبة وزير دولة مكلف بالداخلية في ماي 1987.
– في 2 أكتوبر 1987، عُيّن وزيرا أوّل مع احتفاظه بوزارة الداخلية، وأصبح الأمين العام للحزب المذكور.
– استغل بن علي مرض الرئيس بورقيبة ليفرض عليه التنازل عن السلطة في انقلاب وُصِف بغير الدموي فجر يوم 7 نوفمبر 1987، وأعلن نفسه رئيسا للدولة بمبرّر “عجز الرئيس بورقيبة عن الاضطلاع بمهامه رئيسا للجمهورية”.
– وقد رحّبت آنذاك أوساط واسعة من التونسيين بتولّي بن علي السلطة “دون عنف وإراقة دماء”. وأشادوا به معتبرين “بيان السابع من نوفمبر” ملبيّا للعديد من المبادئ والمطالب التي وقعت المطالبة بها في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة. إضافة إلى أنه قضى على مخطط تنظيم الإتجاه الإسلامي الذي كان يتهيّأ لانقلاب مسلّح صبيحة يوم 8 نوفمبر 1987. وقد صرّح بن علي في مقابلة مع محطة تلفزية فرنسية سنة 1988 أن “التحوّل الذي قاده كان عمليّة إنقاذ وطني”.
– وعد بن علي في “بيان السّابع من نوفمبر” الشهير الذي توجه به الى الشعب “بإعطاء القانون حرمته” وبأن “يوفّر أسباب الديموقراطيّة المسؤولة” ويقطع مع “الظلم والقهر” و”استغلال النفوذ” و”التساهل في أموال المجموعة الوطنية”، ومنع “الرئاسة مدى الحياة” التي أرساها بورقيبة. لكنه سرعان ما أرسى نظاما تسلطيّا وقمعيّا.
– لقد سعى بن علي (من خلال هذا البيان) إلى طمأنة الرأي العام عبر بيان فوعد فيه بإرساء “تعددية سياسية” كما ألغى محكمة أمن الدولة وأفرج عن الإسلاميين والنقابيين المعتقلين، في حين حافظ على نفس التركيبة الحكومية باستثناء الحقائب التي كان يتولاها منافسوه كمحمد الصيّاح الذي أُجبر على الابتعاد عن الحياة السياسية ووُضع في الإقامة الجبرية.
– وفي فيفري 1988 غيّر بن علي اسم الحزب الاشتراكي الدستوري إلى التجمع الدستوري الديمقراطي.
– وفي جويلية 1988 عدّل الدستور في اتجاه زيادة سلطة رئيس الجمهورية.
– في أفريل 1989 نُظمت انتخابات رئاسية سارعت فيها عدة شخصيات معارضة كراشد الغنوشي وأحمد المستيري والمنصف المرزوقي إلى تأييد ترشح بن علي فيها.
– وإن جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية منتظرة في ظل عدم وجود منافسين فيها لابن علي، كانت نتائج الانتخابات التشريعة مخيّبة لآمال المعارضة التي لم تتحصل على أي مقعد. فانسحب أحمد المستيري من الحياة السياسية.
– والواقع أن بن علي أدخل التعددية بجرعات محسوبة إلى البرلمان في 1994، ونظمّ في 1999 أول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ تونس، لكنها كانت “تعددية شكلية”، بحسب المعارضة التي نددت طوال العقد الأخير من حكم بن علي بانحراف النظام نحو “دولة بوليسية” تقمع الحريات الخاصة والعامة، وخصوصا حرية التجمّع والصحافة والتعبير.
– وخلال رئاسته تونس، فاز حزبه في كل الانتخابات التي خاضها بنسبة فاقت تسعين في المائة. وبقي بن علي على رأس السلطة أربع ولايات كاملة، وكان في طريقه لإكمال ولايته الخامسة لدى إطاحته.
– انتهج بن علي سياسة اجتماعية قائمة على مبدإ “التضامن” (مثال : صندوق 2626، وصندوق 2121) لكنّ هذه السياسة لم تحقق أهدافها إلاّ نسبيًّا.
– وقد بدا بن علي في عشرية التسعينات ممسكا بزمام السلطة، فاحتل الموقع الأول في المشهد السياسي بدون منازع وعيّن نخبة من “التكنوقراط” في أهم مفاصل الدولة في حين جدّد حزب التجمع هياكله بإدخال آلاف من المنخرطين الجدد.
– وقد سمحت السلطة بتكوين حزبين جديدين مقربين منها وأعطت التأشيرة للتجمع الاشتراكي التقدمي بينما رفضتها لحركة النهضة (الاسم الجديد للاتجاه الإسلامي) التي ما لبثت أن دخلت في صدام جديد مع الحكم فاتهمت بمحاولة قلب النظام وبأحداث عنف متفرقة فلوحق أعضاؤها وحوكم بعض قادتها أمام القضاء العسكري وفرّ البعض الآخر خارج البلاد.
– رغم تأييد بعض الأحزاب “المعارضة” للسياسات الحكومية، ظلت حركتها مقيدة ولم يسمح لها بدخول البرلمان إلا رمزيا من خلال إسنادها بعض المقاعد ابتداءً من 1994، فيما انتخب بن علي ذلك العام بدون منافس بنسبة قاربت المائة بالمائة.
– على المستوى الاقتصادي استفادت الحكومة من إصلاحات الثمانينات (اصلاحات رشيد صفر)، ومن مواسم فلاحية جيدة لتحقق نسب نمو فاقت في بعض الأحيان ال5 %، وعلى المستوى الاجتماعي اعتمدت سياسات حذرة عززتها ببعض البرامج كالصندوق الوطني للتضامن والسيارة الشعبية… التي استهدفت من خلالها محاربة الفقر وتقديم تسهيلات للطبقة الوسطى لتوسيع رقعة مساندة النظام.
– في النصف الثاني من عشرية التسعينات بدأ يظهر نفوذ زوجة بن علي الثانية ليلى الطرابلسي التي أصبح إخوتها فجأة من أصحاب الأعمال.
– في عام 1999 قدم بن علي نفسه مجدَّدا للإنتخابات الرئاسية، ورغم وجود مرشحين آخرين فاز مرة أخرى بنسبة فاقت ال99% في ما اعتبره الملاحظون إشارة أن النظام ليس له أي نية للإصلاح.
– شهدت بداية الألفية الثالثة بعض التململ في البلاد فاندلعت في فيفري 2000 مظاهرات ذات طابع اجتماعي. إلا ان نظام بن علي (باستثناء بعض الوعود النظرية) بقي يتوخى نفس السياسات.
– وفي 2002 أقام استفتاءً لإحداث تعديلات دستورية تُمكِّن الرئيس من حصانة قضائية ومن إمكانية تمديد ولايته.
– في السنوات اللاحقة ازدادت تجاوزات أصهار بن علي أمثال بلحسن الطرابلسي ومروان المبروك وعماد الطرابلسي وصخر الماطري الذين أصبحوا يسيطرون على قطاعات واسعة من الاقتصاد، في حين أصبحت القرارات الهامة تؤخذ خارج الحكومة من قبل الحلقة الضيقة للرئاسة من عائلة ومستشارين (تقلّص عددهم، وأصبح تعيينهم يتم على أساس الولاء فقط لا الكفاءة، كما كان يحصل في العقد السابق).
– في الأثناء أظهر الأنموذج التنموي محدوديته فرغم تحسّن مستوى العيش، وانتشار المظاهر الإستهلاكية، ارتفعت نسبة البطالة وبقيت الإسثمارات محدودة، وزاد الفساد المالي الذي كان شبه معدوم في عهد الرئيس بورقيبة.
– في 2005 شكلت المعارضة “هيئة 18 أكتوبر” التي طالبت بإصلاحات جذرية للنظام.
– وفي 2008 عرف الحوض المنجمي في ولاية قفصة احتجاجات غير مسبوقة دامت عدة أشهر على خلفية إجتماعية.
– تلبّدت الغيوم عام 2010، ففي وقت زادت فيه الإضرابات الإجتماعية والمطالبة بتحرير الإعلام ومحاربة الفساد، ظهرت حملة تناشد بن علي الترشّح للإنتخابات عام 2014 لولاية سادسة جوبهت بحملة مضادّة ضدّ “التمديد والتوريث”، وفي تلك الأجواء جاءت حادثة إحراق محمد البوعزيزي لنفسه “لتشعل” إحتجاجات عارمة شملت أوّلا سيدي بوزيد ثم بقية أنحاء البلاد جابهها النظام بالقوة، قبل أن يضطر بن علي أمام امتداد رقعتها إلى مغادرة البلاد والتوجّه إلى السعودية بعد
محاولته استرضائها، إذ أنّ خطابه المرتبك وكلماته التي جاءت متأخرة جدا، من قبيل: “فهمتكم فهمتكم” لم تقنع رافعي شعار “Dégage”، فاتسعت دائرة المظاهرات والانتفاضة الشعبية ووصلت للعاصمة، فانهار نظامٌ حَكَم البلاد 23 عاما في أيام، مما دفع بن علي للرحيل إلى السعودية مساء يوم الجمعة 14 جانفي 2011.
– طالبت تونس رسميّا السلطات السعودية يوم 20 فيفري 2011 بتسليمها الرئيس المخلوع بن علي لمحاكمته، وصدرت فيه أحكام غيابية أبرزها الحكم بالسجن مدى الحياة.
– وفي مثل هذا اليوم 19 سبتمر من سنة 2019، شُيّع جثمان زين العابدين بن علي في المدينة المنورة، ودفن في مقبرة البقيع، وقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن عشرات الأشخاص شاركوا في تشييع بن علي، من بينهم أفراد من أسرته.
– رغم أن فترة حكم بن علي لا تحظى بإجماع في تونس خاصة أن الكثير من التونسيين يحمّلونه ونظامه مسؤولية اعتقال وتعذيب الآلاف من سجناء الرأي، فإنه بعد مرور 11 سنة على انهيار نظامه، انبعث مجددا الحنين لدى شريحة واسعة من الشعب لفترة حكمه خاصة مع تزايد اختناق التونسيين بأزمات اقتصادية واجتماعية كان سببها تضاعف الفساد في عهد حكّام ما بعد الثورة.
– كما تبقى الأسئلة مطروحة : عن ظروف وملابسات فرار أو مغادرة بن علي البلاد مساء يوم 14 جانفي 2011، والقبض على البعض من أقاربه وأصهاره، والقنّاصة الذين لم يُعرف من أرسلهم؟ أسئلة عديدة تحتاج إلى التوضيح…
# أسامة الراعي #