الدكتور كمال الساكري وكتابه الفرنكفونية فرس رهان أم حصان طروادة
*من مقدمة الكتاب
الفرنكفونية موضوع قديم جديد طرح منذ الستينات وأثار ردود فعل مختلفة بين القبول والرفض والتمجيد لها والتشنيع عليها. فهو موضوع قديم جديد يطغى حضوره حينا فيملآ الساحة الفكرية المحلية والعربية –وإن بتفاوت- جدالا وصراعا ويشغل الناس ثم لايلبث أن يخفت ذكرها حينا آخر فيتلاشى ضجيجها ويهمش حتى ينسحب إلى دهاليز النسيان وكواليس الصمت المريب…
ويهدف هذا الكتاب إلى ضبط مفهوم الفرنكفونية من خلال تقديم تعريفات شاملة لها تجمع اللغوي بالتاريخي بالاقتصادي والاجتماعي والسياسي ومعالجة إشكاليتها في الواقع العربي.
هل الفرنكفونية غنيمة حرب يجدرانتهازها أو هي قدر مسلط وجب قبولها والاستفادة منها وفق مذهب الغاية تبرر الوسيلة أو الفرنكفونية اغتصاب واستعمار استيطاني مرفوض مهما كانت الذرائع والتبريرات…
من هنا وجب بسط مختلف المقاربات لهذا المفهوم والذي يمكن تأليفها في أطروحتين مختلفتين قد تبلغان حد التناقض إحداهما تتبنى الفرنكفونية (وما شابهها كالكومن ويلث ) وتحتج لها بمختلف الحجج وتسوق مختلف البراهين للقبول بها والتعايش معها. فهو أمر واقع ومن الحكمة قبول الواقع وحسن التعامل معه وقد تكون البراغماتية خير منهج يتسلح به العرب اليوم لحل مشكلاتهم لا اللجاج في العناد وتجاهل الواقع بما يزيده تعقيدا وتأزما وتكديس الخسارات وتضخيم حجم الفشل ونوعيته.
أما الأطروحة الثانية فتلك التي ترفض الاعتراف بالأمر والواقع ولكنها لا تتجاهل الواقع. الواقع أن الفرنكفونية موجودة وماعتمت تتضخم وتتجسد في دول ومؤسسات واستراتيجيات وأسلحة وحروب مادية ومعنوية ومكاسب مختلفة ولا سبيل إلى تجاهل هذا الواقع. لكن الإقرار بالواقع لا يستلزم القبول به وإلا لكان الجهل والفقر والمرض والاستعمار والظلم والتخلف الحضاري والتوحش والإبادة وهي واقع موجود – عبر الأمصار والأعصار- أقدارا مقدورة تحتم الرضى بها والقعود عن مجابهتها. في حين أن الإنسانية مافتئت تجابه التحديات الطبيعية (الظلام وحرارة الشمس والبرد وفيض الأنهار ومخاطر البحار والأوبئة…) والانحرافات الأخلاقية كالعدوان والاستعمار والعنصرية واضطهاد الإنسان عامة والمرأة خاصة فتقدمت مدنيا حتى أقامت المدن المعلقة والطرق السيارة السريعة والجسور العجيبة وحققت تقدما علميا وتكنولوجيا عظيمين فنزلت على سطح المريخ مؤخرا بعد أن كانت غزت القمر منذ نصف قرن.
الأطروحة المضادة تقر بوجود الفرنكفونية ولكن لا تعترف بشرعيتها ولا تقبل بالتعامل معها وتدعو لمقاومتها بالأساليب الممكنة والمناسبة حتى تنهي وجودها وبالتالي تأثيرها المخرب على وجود العرب وتطورهم…
ولقد توسلنا منهجا حواريا نقديا في تحليل الخطاب وتأليف بناه وإعادة تركيب مكوناته مستفيدين من المناهج الحديثة كالبنيوية والنصانية والسيميائية والتداولية…
فما الفرنكفونية؟ وهل هي رهان ثقافي واقتصادي وسياسي يستحق التبني ولا خشية من خلفياته الاستعمارية أو هي ارتهان للاستعمار واستراتيجياته الهيمنية وإن بطرق مغايرة ومستحدثة مختلفة عن الأشكال الوحشية التقليدية السافرة؟
وهل الفرنكفونية غنيمة حرب مثلما بشر بعض السياسيين والمثقفين العرب والأفارقة ككاتب ياسين والحبيب بورقيبة وليبولد سنقور… أو الفرنكفونية طعام مسموم عاقبة ابتلاعه وخيمة مثلما حذر آخرون كإيمي سيزار وفرانز فانون من المارتنيك والمغربي مهدي المنجرة والجزائري عثمان سعدي وعالم الاجتماع التونسي محمود الذوادي وغيرهم…؟