اصول سكان ولاية اريانة
أصول سكان أريانة ومأتاها ونوعيتهم من حيث الأسر والوظائف والأعمال التي قاموا بها من خلال مرجع حديث تمثل في بحث جامعي تقدم به السيد “جاك طيب” لنيل شهادة الدراسات العليا في الجغرافيا بإشراف الأستاذ “جاندي بوا ” من جامعة السربون بباريس ونوقش في تونس فس شهر جوان سنة 1960 تحت عنوان أريانة إحدى ضواحي تونس
وقد تبين من هذا المرجع الهام المتمثل في دراسة جادة ومركزة رغم إختصار مضامينها وإيجاز محتواها أن تحديد أصول سكان مدينة أريانة لا يمكن أن يتعدى القرن السابع عشر رغم أن نشأة المدينة ضاربة الجذور في قدمها في أعماق التاريخ وقد يكون مضى على تأسيسها أكثر من ألف سنة, أي في في حدود القرن الثالث هجري.
يقول جاك طيب في تحليله لأصول سكان أريانة ” تضاف إلى سكان أريانة القرويين الضاربة أصولهم في أعماق القرون الوسطى جالية أندلسية انضمت إليهم في أوائل القرن السابع عشر”. ويتطرق بعد ذلك إلى ذكر أسماء بعض الأسر التي لا تزال تعرف إلى الآن بانتمائها الأندلسي ونذكر من بين هذه الأسر مرياح وبلغيث , كما نذكر من أسماء الأسر القديمة الأخرى العباسي , عبد الله , عبد النبي , موسى عبد الرحيم , عريوشي , عياد , بركات , إبن جابر , بليل , الشريف , فليس , حمدانة , حميد , جمعة , المدب , محيسن ,سنان , سلامة , زواغي . ويثبت صاحب البحث أنه يعسر التأكد من بين هذه العائلات من هي أندلسية الأصل في حقيقة أمرها أم هي دون ذلك.ويقف الأصل في حدود الادعاء دون مبرر صحيح.وتوجد بعض الإفتراضات , من ذلك أن في عائلة عياد على
سبيل المثال من يكنى صنديد ولعله من أصل صنديدو ذات الإيقاع الإسباني الأندلسي . أما عائلة سلامة فلعلها من أصل يهودي قد إعتنق أجدادها الإسلام في زمن قديم غير محدد.
وتنقل لنا الحافظة الشعبية أسماء بعض الأسر التي انضمت إلى سكان أريانة في مراحل قريبة وحديثة. ففي نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر وهو التاريخ الذي بدأت فيه أريانة وظيفتها المستحدثة كمدينة للنزهة وفد إليها سكان جدد إستطابوا الإقامة فيها . وقد جاؤوا إليها من جهات مختلفة نذكر من سكان جربة عائلة اللمسي والجربي وحجيج ومن الأندلسيين ممن نزحوا من بنزرت كعائلة البنزرتي وبعض الجزائريين من مدينة خنشلة كعائلات قنونة وعبيد وعبود , ومن المغرب الأقصى نذكر عائلات الغربي والمرابط ومسكي , ومن القطر الليبي عائلة بن ميلاد.
ونزح إلى أريانة بعد هذه الجديدة التي إنضمت إلى الرصيد القديم من سكان القرية الفلاحية كنواة سكانية أولى جموع قروية أخرى تنتمي إلى قبائل ريفية شبه مستقرة منها الليبية ومنها الجزائرية من منطقة الأوراس وكان مستقرهم على هضاب تشرف على أريانة وتحيط بها كتلك التي توجد بجهة برج تركي.
وفي أوخر القرن التاسع عشر بدأت بعض الأسر الأرستقراطية من العاصمة تستقر بصفة دائمة في أريانة بعدما كانت تؤمها في مرابعها أو إصطيافها , ونذكر بعضها : عائلات بوسن وحداد وعباس والزواري وشعيب والسنوسي وجمال والمستيري . ويضاف إلى هؤلاء السكان الجدد في بداية القرن العشرين عدد هام من العمال الفلاحين من أولاد عيار وكان النشاط الفلاحي في غابة الزيتون يحتاج إلى سواعدهم. وباعتبار هذا التنوع السكاني وأفواجه القادمة إلى أريانة من كل الجهات فإن لإحصائيات تقدر عدد المتساكنين فيها بألف نسمة أو أكثر بقليل وذلك قبيل الحرب العالمية الأولى 1914-1918
يؤكد جاك طيب في المرجع السابق أن بعض العائلات اليهودية قد إستقرت في أريانة منذ منتصف القرن الثامن عشر. فمنهم من يلقبون بجورنو وقد نزحوا من الجزائر وكانوا يشتغلون بصناعة الأحذية ومنهم باعة متنقلون يحملون بضعتهم البسيطة على ظهور الأحمرة ويتجولون بها في البوادي بجهة وادي مجردة. وتتضخم هذه المجموعة اليهودية الأولى بقدوم أسر من العاصمة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . ومن الأسماء نذكر شطبون وبجاوي وكسكاس وبشموط وحوالي سنة 1900 تنضم إليها عائلات بونان وفيورنتينو وبنعطار وبورجل وكسراوي وشيالوم . وتعدادهم جميعا فبيل الحرب العالمية الأولى يتراوح من 250 إلى 300 نسمة.
ومما يجلب الإنتباه أن عدد اليهود في سنة 1931 ( 2637) قد تقلص قليلا في سنة 1936 إذ بلغ 2619 ويفسر هذا التدني بين إحصاء وآخر للسكان بما يلي : إن عدد الفرنسيين إرتقى من 336 إلى 584 نسمة على خساب تدني عدد اليهود وذلك أن عدد الفرنسيين قد تضاعف في مدة خمس سنوات بسبب تجنس بعض يهود أريانة. وتحدث عندئذ المعادلة بين الجنسين دون دخول نازحين جدد للمدينة. ويقابل هذا تطور طفيف في عدد السكان المسلمين بين سنة 1931 وسنة 1936
( من 1800 إلى 1832 ) وهذا ناتج عن التطور الطبيعي للمجموعة السكنية.
ونصل إلى سنة 1946 عند إنتهاء الحرب العالمية الثانية فنجد أن المجموع السكاني للمدينة يقفز من 5530 إلى 9668 نسمة , وأن للتونسيين من المسلمين ضلعا كبيرا في مضاعفة العدد في مدة عشر سنوات إذ مروا من 1832 نسمة في سنة 1936 إلى 5091 في سنة 1946 . وإن الإرتفاع في عدد السكان تفسره ظاهرتان : الأولى نزوح بعض السكان من الطبقة المتوسطة جاؤوا من العاصمة إثر قذف جيوش المحور مدينة تونس بالقنابل سنة 1943 والثانية خروج سكان المدينة العتيقة بالعاصمة بسبب الضغط السكاني ةالإلتجاء إلى الأحواز وخاصة إلى أريانة التي كانت مفضلة لديهم . هذا إلى جانب هجرة بعض العائلات القروية من الفلاحين الذين جاؤوا من أقاصي البلاد وأحاطوا مدينة أريانة بأحياء قزديرية أزيلت منذ سنوات قليلة بمقتضى التطور العمراني الحديث . ويقدر عدد القادمين من العاصمة ومن الفرى بحوالي نصف السكان الأصليين لمدينة أريانة بعيد الحرب . وتواصل هذا التطور السكاني في إطلااد ليصل في سنة 1956 إلى 11490 نسمة . ومما يلاحظ أن هذه العشرية بين 1946 و 1956 قد عرفت تقلصا في عدد السكان من اليهود فأصبخوا 2678 نسمة مقابل ما كانوا عليه سابقا : 3128 نسمة في 1946 . ويعزى هذا النقص إلى هجرة خمس عددهم إلى فرنسا أربعة أخماسهم إلى فلسطين المحتلة .
المصدر . كتاب أريانة مع الزمان تأليف علي حمريت أستاذ مبرز