شريفة الدالي السعداوي : مناضلة نسوية تونسية.

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

شريفة الدالي السعداوي : سيرة ومسيرة”

من مواليد هذا اليوم 9 نوفمبر سنة : 1929 – شريفة الدالي السعداوي، أحد الرموز النسائية المناضلة التي مثّلت النساء التونسيات في المنتديات والمؤتمرات الدولية والوطنية. وهي أرملة الزعيم النقابي حسن السعداوي.

  • شريفة الدالي السعداوي (93 سنة) ولدت في باب الأقواس بتونس العاصمة لأب مؤدّب في كتّاب بباب الأقواس ومناضل في الحزب الشيوعي التونسي هو محمّد الدالي، وأمّ من عائلة بن فرحات من منوبة.
  • حُرمت من التعليم في سنّ مبكّرة.. وقد حملتها عوامل عدّة إلى العمل السياسي والجمعياتي، فقد تربت في بيت سياسيّ، وكانت تشهد هي وإخوتها نشاط والدها السرّي.. من هنا كانت بداية الوعي بجسامة النشاط السّياسي وصعوبته.. كان الحزب الشيوعي يضمّ آنذاك نخبة من المثقفين أمثال الطاهر بودمغة والهادي الغربي عميد المحامين، إضافة إلى والدها محمد الدّالي الذي كان من بين قلّة متعلّمة حينها.
  • وكان للصداقة التي جمعت المناضلة التونسية “قلاديس عدّة” بوالدها الأثر الموجّه في التحاقها بالنشاط الجمعياتي، فقد كانت “ڤلاديس” تتردّد على البيوت في الأحياء الشعبية تستحث النساء على المشاركة في الحياة العامّة.
  • التحقت في سنّ الرابعة عشرة من العمر باتحاد الفتيات الذي كانت ترأسه زكية حرمل، وهي منظمة تابعة لحزب الشيوعي وتضمّ الفتيات الصغيرات لتدريبهن على العمل الجمعياتي، ومن بين الناشطات في المنظمة سعاد عبد الكريم ومنجية المولدي، وكان يوكل إليها توزيع المناشير ودعوة النساء إلى الاجتماعات التي كانت تعقدها المنظمة لتوعيتهن بدورهنّ في المجتمع.
  • كان المناضل الشيوعي حسن السعداوي صديقا لوالدها، يتردد على المنزل للحديث في شؤون الحزب، وقد عرض عليه والدها الزواج من ابنته شريفة وهي التي لم تتخطَّ الرابعة عشرة بعد إلاّ بشهرين، ولئن رفض حسن السعداوي العرض في البداية بسبب التفاوت الكبير في السنّ (30 سنة) إلاّ أنّه استجاب إلى طلب والدها في ما بعد، ليتزوّجا في 5 جانفي سنة 1945. وتبدأ مرحلة جديدة من حياتهما.
  • حرص حسن السعداوي على تدريس زوجته فأوكلها إلى مؤدّب “جريديّ” تعهّدها بدروس في العربيّة، وأوكل إلى مدرّسة فرنسية مهمة تعليمها اللغة الفرنسية.
  • بعد ذلك التحقت بمدرسة تكوين الإطارات وهو هيكل يتبع الحزب الشيوعي التونسي آنذاك، فدرست مع مجموعة من الفتيات منهنّ : سعاد جراد، منجية المولدي، دليلة مجاجي ووسيلة جابالله وغيرهن . وقد درسن على يد خيرة من كوادر الحزب الشيوعي على غرار محمد حرمل، محمد النافع ومحمّد الماجري، وتمحورت الدروس خاصة على مفهوم الحزب ومفهوم العمل السياسي.
  • تخرجت شريفة الأولى على دفعتها، وانخرطت أكثر صلب العمل داخل اتّحاد المرأة المتفرّع عن الحزب الشيوعي الذي أسسته السيّدة “جولان”، وهي سيّدة فقدت زوجها في الحرب العالمية الأولى وفقدت ابنها في الحرب العالمية الثانية وكرّست نفسها للعمل الجمعياتي ومناهضة الحرب.
  • كان أساس عمل شريفة هو الاتّصال المباشر بالمرأة، لذلك كانت تطرق مع رفيقاتها الأبواب لتدعو إلى اجتماعات الاتّحاد، وتحدّث النساء في بيوتهن عن ضرورة تغيير واقعهن بالتعلّم والانخراط في العمل… وقد كانت “ڤلاديس عدّة” تقول لها دائما : “يستمرّ الاستعمار مادام هناك جهل” وهكذا كانت تقنع الرّجال بالسماح لها بالحديث مع نسائهم..
  • وتعدّى نشاطها التوعوي إلى تقديم الإعانات العينيّة لمستحقيها خاصّة وقد عصفت الحرب العالميّة الثانية بالاقتصاد، وضاعفت نسب الفقر.
  • وقد حرصت شريفة السعداوي الدالي على التعريف بوضعيّة البلاد المزرية وهي ترزح تحت الاستعمار، وحدث أن زارت تونس إحدى الباحثات الفرنسيات للتعرف على الأوضاع الاجتماعية للبلاد فرافقتها صحبة “قلاديس عدّة” إلى منطقة الملاسين حيث كانت قنوات الصرف الصحّي منعدمة والمياه الآسنة تجعل من المكان موطنا للأوبئة، وقد أصيبت ابنة شريفة الكبرى بما يعرف بحمّى المستنقعات نتيجة مرافقتها لهنّ في تلك الزيارة التي انتهت بمداهمة قوات الاحتلال المتمثلة في شرطة الملاّسين لهنّ وافتكاكها لآلة التصوير التي كانت بحوزة الباحثة وإتلاف ما التقطته من صور، ثمّ ترحيلها مباشرة إلى المطار لتستقل أوّل طائرة إلى بلادها، أمّا شريفة وقلاديس فقد تم اقتيادهما إلى مركز الشرطة.
  • شاركت شريفة السعداوي في المؤتمر النسائي العالمي في برلين. وقد وقعت عدة طرائف لشريفة أوّلها حفاوة استقبالها على مدرج الطائرة، وصورة الواقعة أنّ زوجها قد أوصاها أن تحمل حقيبة صغيرة معها فإذا حطّت الطائرة ببرلين، وقبل النزول تُخرج منها “السفساري” التونسي و”الخامة” وتضعهما رمزا للمرأة التونسية حينها. وكان الأمر كذلك، وفوجئت وهي تخطو على سلّم الطائرة بالمصورين الصحفيين يطلبون منها التوقف عند كلّ درجة ليأخذوا صورا وهم يتساءلون عن بلد صاحبة هذا اللّباس، كانت تشعر بالفخر وهم يردّدون اسم “تونس” الذي بينهم من يسمعه للمرة الأولى. ومن الغد جاءتها إحدى المشاركات بجريدة وقد وُشّحت صفحتها الأولى بصورتها.
  • ألقت شريفة السعداوي في هذا المؤتمر الذي حمل شعار “الثروة البشريّة” خطابا عن وضع المرأة في تونس باللغة العربية ترجم إلى لغات متعدّدة تعرضت فيه إلى حالة الأميّة التي تعانيها وإلى تأثير الاستعمار عليها وعلى أسرتها ومجتمعها.
  • ثمّ تتالت المشاركات في المؤتمرات العالمية رفقة مناضلات من بنات المنظّمة أو اللاتي كنّ ينشطن في الاتحاد الإسلامي وانخرطن بعد ذلك في الاتحاد النسائي مثل “نبيهة بن ميلاد” التي ترأست الاتحاد النسائي الشيوعي و”علياء ببو” و”بيّة الخياري” وغيرهنّ.
  • بعد الاستقلال واصلت شريفة السعداوي العمل صلب الحزب الشيوعي رغم التضييقات وكانت تشارك في المؤتمرات العالمية التي كان آخرها مؤتمر جينيف.
  • كانت الأجواء بالبلاد متوترة، وأخذت التضييقات على الحزب الشيوعي وعلى منظّماته صبغة تصاعديّة، وكانت محاولة الانقلاب التي تعرّض لها الرئيس بورقيبة تعلّة لحلّ التنظيمات المعارضة. فحُلّ الحزب الشيوعي وحُلّت معه منظماته مثل اتحاد الطلبة والمنظّمة النّسائيّة. كان ذلك يوم 11 جانفي 1963. ووقع استدعاء جميع الناشطين في الحزب ومنظماته للإمضاء على التزام بالتوقف عن النشاط السّياسي.
  • وتضيف شريفة : “ولم يمض شهر حتّى اغتيل زوجي في مركز للشرطة بعد أن اقتاده أعوان من الأمن إلى مركز باب سويقة ثمّ حملوه إلى المستشفى بعد أن فارق الحياة مدّعين أنهم وجدوه ملقى في الشارع ورفضت الحكومة أن تسمح بالتشريح لتحديد أسباب الوفاة كما تمّ التعتيم على موعد دفنه إعلاميّا.
  • انقطعت شريفة عن النشاط مدّة من الزمن استمرّت ثلاث سنوات من 1963 إلى 1966، انشغلت فيها بتأمين حياة كريمة لأطفالها الثمانية خاصة وقد وجدت نفسها تتحمّل مسؤوليتهم بمفردها. ثم عادت إلى النشاط من باب الاتحاد القومي النسائي.
  • تقول شريفة ” “كان العمل في هذه المنظمة النسائية عملا للصالح العام وليس عملا للسلطة في ذاتها أو في غيرها.. بدأت مسيرتي مع الاتحاد القومي النسائي متطوّعة.”
  • تولّت شريفة السعداوي رئاسة فرع الحفصيّة للاتحاد القومي النّسائي، وبعثَ الفرع مدرسة للتكوين المهني في مدرسة خير الدّين حيث حرص أن يعلّم الفتيات مهنة تحقّق استقلالهنّ الاقتصادي، فكنّ يتعلّمن الخياطة وصنع الحلويات. وأشرفت شريفة على المركز بنفسها، وحين أصبح قائم الذات وقع نقله إلى “حيّ الزهور”…
  • تضيف شريفة :”صادف أن توقفت عن النشاط بالإتحاد لأني مررت بظروف صعبة بعد مرض ابني ثمّ وفاته، وفي الأثناء وقعت إقالة راضية حداد . وحين عدت، وفي أوّل اجتماع مع الهياكل الرّسمية، طالبت بمعرفة السّبب الذي أقيلت راضية حدّاد بموجبه، وهو سؤال لم يعجب المسؤولين ووجدت نفسي غير مرحب بي فغادرت المنظمة سنة 1972.”
  • تحية إجلال إلى المناضلة والناشطة النسوية شريفة الدالي السعداوي في عيد ميلادها الثالث والتسعين.

أسامة الراعي

Loading

أسامة الراعي

متحصل على : شهادة الأستاذية في التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *