البشير صفر، أحد رواد الحركة الإصلاحية في تونس

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

– البشير صفر : ولد في 27 فيفري 1865 – توفي في 2 مارس 1917، (52 سنة).
– يعتبر من أبرز قادة الحركة الفكرية بتونس في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وباعث المشروعات الثقافية والتربوية التي انبثقت عنها النهضة التونسية الحديثة، حتى استحقّ لقب “أبي النهضة التونسية الثاني”، بعد خير الدين التونسي.

– ولد بمدينة تونس، وبعدما أنهى دراسته بالصادقيّة عيّنته الحكومة على رأس البعثة الطالبيّة الموجّهة إلى فرنسا لاتمام دراستها الثانويّة ومواصلة دراستها الجامعية.

– التحق البشير صفر بباريس في مستهلّ السنة الدّراسية 1881-1880 وقُبِل بالقسم الأوّل من معهد “سان لويس”، بعدما اجتاز الاختبار الذي أجري عليه بنجاح فاعتنى خاصّة بالرياضيات، وهو ما أهله في مستهل السنة الدراسيّة الموالية للنجاح في قسم الرياضيات الخاصة الذي يهيّء التلامذة للالتحاق بمدارس الهندسة.

– وقد كان البشير صفر طوال مدّة إقامته في فرنسا يقضّي أوقات فراغه في حضور بعض المحاضرات في جامعة “السربون” كما استغل فرصة وجوده بفرنسا لربط الصلة ببعض الشبّان المصريين والسوريين والأتراك القادمين مثله إلى باريس للارتواء من مناهل الحضارة الغربيّة. وقد مكّنته تلك الاتصالات من التعرف إلى الزعيم المصري “محمد فريد” الذي زار تونس في مطلع القرن العشرين، كما استحكمت صلات الودّ بينه وبين الشيخ “محمد عبده” في أثناء الزيارة الأولى التي أدّاها الشيخ إلى تونس سنة 1884 ثمّ زيارته الثانية في سنة 1903.

– عاد البشير صفر إلى تونس مع بقيّة أعضاء البعثة الطالبيّة في جويلية 1882 وكان ينوي الرجوع إلى باريس بعد انتهاء العطلة الصيفية لمواصلة دراسته، ولكنّ المدرسة الصادقية أصبحت عاجزة عن تسديد المنح المخصّصة للطلبة الموفدين إلى الخارج، بسبب أوضاعها المتردية من جراء التفويت في أهم ما كانت تملكه من أوقاف عامّة، فالتحق بالوزارة الكبرى بصفة مترجم.

– ولمّا تأسّست الكتابة العامة للحكومة التونسية، نظمت في 1884 مناظرة لانتداب موظفين تونسيين من خرّيجي المدرسة الصادقية، فشارك فيها البشير صفر وفاز بالمرتبة الأولى، فعُين رئيسا لقسم المحاسبة. ولكنّ البشير صفر لم يقتصر على نشاطه الإداري، بل سخّر أوقات فراغه لتوسيع ثقافته وتعميق ما اكتسبه من معارف في أثناء إقامته في باريس سواء في معهد “سان لويس” أو في الدروس العامة التي كان يحضرها في “السربون” فكان يتردّد بانتظام على دروس الشيخ سالم بوحاحب في جامع الزيتونة، والدروس التي نظمتها إدارة العلوم والمعارف لفائدة الموظفين التونسيين.

– ونظرا إلى ما أحرزه من نجاح على رأس قسم المحاسبة بالكتابة العامة، قررت الحكومة في سنة 1892 تعيينه رئيسا لجمعية الأوقاف فساهم في صيانة تلك المؤسسة التونسية العريقة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأراضي الزراعية التي كان المستوطنون الأوروبيّون يتكالبون عليها. وقد حقق البشير صفر طوال مدّة رئاسته لجمعية الأوقاف عدّة إنجازات، نخص بالذكر منها مساعدته للجمعيات الخيرية والمستشفيات ومشروعات البرّ والاحسان وصيانة المعالم الدينيّة ومدارس سكنى الطلبة الزيتونيين وتشجيع المدرسة الفلاحية وإنشاء دار العُجّز بتونس المعروفة باسم “التكيّة”.

– أدركت السلط الاستعمارية خطر بقائه على رأس تلك المؤسسة، إذ اعتبرته حجر عثرة في وجه سياستها التوسعية التي كانت ترمي إلى ابتلاع الأوقاف الخاصة بعدما مكنت المستوطنين من الاستحواذ على أراضي الأوقاف العامة، بموجب الأمر العليّ المؤرخ في 13 نوفمبر 1898 الذي يفرض على جمعية الأوقاف تسليم ألفي هكتار من الأراضي الجيّدة كلّ سنة إلى إدارة الفلاحة لبيعها للمعمرين بثمن بخس. واستغلّت حكومة “الحماية” الشغور الحاصل في منصب عامل سوسة، إثر تعيين الطيب الجلّولي وزيرا للقلم والاستشارة في جوان 1908، فقرّرت تعيين البشير صفر في تلك الخطة، أوّلا لإبعاده عن إدارة الأوقاف، ثم للحيلولة بينه ومواصلة نشاطه في الجمعيّة الخلدونية التي رأى فيها غلاة الاستعمار مركزا للعمل الوطني. فقد قال زعيمهم دي كرنيار: “إذا ما قدّر أن تقوم ثورة في البلاد التونسية، فإنّ أعضاء هيئة أركانها سيكونون من خرّيجي الخلدونيّة”.

– كان البشير صفر منذ شبابه معجبا بأفكار خير الدّين، محافظا على مبادئه، متعصّبا لأفكاره، متحسّرا على توقفّ سير إصلاحاته. فكان كل ذلك يقربّه من الزيتونيين الاصلاحيّين الملتفين حول شيخهم سالم بوحاجب. وقد أشار الشيخ الفاضل بن عاشور إلى هذا التلاقي بين الطّرفين قائلا: “التحم الشقان بلحمة التعصب للوزير خير الدين ومناهجه، وتقاسما العمل للنهضة بالبلاد من كبوتها، وأصبح الشق الصادقي أبرز الشقين في هذه الكتلة، بما يمتاز به من نشاط الشباب ومتانة الارتباط بين أفراده وانسجام مبادئهم الاصلاحية مع أصول” تكوّنهم العلمي”. وقد زادت من هذا الالتحام بين الاصلاحيين الزيارة الأولى التي أدّاها الشيخ “محمد عبده” إلى تونس من 6 ديسمبر 1884 إلى 4 جانفي 1885. فاستقر رأي رجال النهضة على وضع برامجهم الاصلاحية على أساس منهج الشيخ محمد عبده الذي يتماشى تماما مع تعليمات الشيخ محمود قابادو وسياسة خير الدين، أي نشر المعارف وتلافي نقصها باقتباس العلوم الحديثة عن الغرب.

– أقرّت النخبة التونسية العزم على إصدار جريدة لنشر دعوتها واستئناف العمل الذي كانت تقوم به الحركة الاصلاحية التونسية في عهد خير الدين أيّام كانت جريدة “الرائد” بيدها فأصدرت جريدة “الحاضرة” التي ظهر عددها الأوّل يوم 2 أوت 1888 وعهدت بإدارتها إلى أحد نبغاء الصادقيين وهو علي بوشوشة الذي اعتزل الوظيفة العمومية للتفرغ لشؤون الجريدة. وانضمت إلى أسرة التحرير ثلة من رجال النهضة نخص بالذكر منهم، إلى جانب مؤسس الجريدة البشير صفر، شيخ الجماعة سالم بوجاحب ومحمد السنوسي ومحمد القروي وعلي الورداني ومحمد بن الخوجة ووغيرهم.

– وقد امتاز البشير صفر بمقالاته القيّمة ذات الصبغة التربوية، فكان يهتم بدراسة النظم السياسية والاجتماعية في أوروبا وتحليل الأوضاع التاريخية والجغرافية لكل مملكة من ممّالكها، وكان ينتهز كلّ فرصة لتنبيه التونسيين إلى خطر الركود الذي يتنافى وأبسط قواعد التطوّر، ولكنّ رغم ما بذله البشير صفر من جهود فإن دعوته لم تلق في أوّل الأمر سوى عدم المبالاة أو الشكوك، إلاّ أنّ عزيمته لم تفتر قطّ، فواصل دون كلل ولا ملل ذلك العمل الذي استطاع بعد جهد جهيد أن يجلب إليه عددا أكبر فأكبر من الاتباع والأنصار، لا سيما من الشباب.

– ساهم البشير صفر في تأسيس الجمعية الخلدونية التي صدر قانونها الأساسي سنة 1896، وترأسها في السنة الموالية (1897). وقد نظمت الخلدونية دروسا باللغة العربية ترمي إلى نشر ثقافة حيّةٍ تعتمد على معرفة التاريخ والجغرافيا واللغات الأجنبية والاقتصاد السياسي، والعناية بالعلوم الطبيعية والرياضيات والفيزياء والكيمياء. وقد شجعت على بعث مكتبة عمومية وإصدار نشرية للتعريف بالحضارة العربية الاسلامية وتبسيط العلوم الحديثة. وكان هذا العمل التثقيفي موجها أساسا إلى طلبة جامع الزيتونة الذين كانوا محرومين من العلوم الحديثة. وقد استرعى البشير صفر الانتباه بدروسه القيمة التي كان يشرح فيها الحقائق الاستعمارية ويسلط الأضواء على الأخطار المحدقة بالعالم الاسلامي، ويكشف النقاب في الوقت نفسه عن الأخطاء والنقائص المتسببة في ضعف أغلب البلدان الاسلامية، منبها إلى إهمال الحكام المسلمين لمقتضيات العصر التي لا مناص من مراعاتها.

– بعدما بدأت الحياة الثقافية تنمو في البلاد بفضل نشاط جماعة “الحاضرة” ورجال الخلدونية، اتجهت الحركة الاصلاحية إلى تقديم بعض المطالب المعتدلة ذات الصبغة السياسية إلى السّلط الفرنسية، وذلك يوم 24 مارس 1906 في حفل تدشين “التكية” التي أسستها جمعية الأوقاف لايواء الفقراء والعجز من التونسيين المسلمين. فتناول البشير صفر الكلمة بحضور المقيم العام ستيفان بيشون والوزير الأكبر وكبار رجال الدولة. وتحدث عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي يتخبط فيها الشعب التونسي آنذاك، مقترحا بعض الاجراءات الواجب اتخاذها للتخفيف من حدة تلك الأزمة الخانقة، مثل تشجيع الصناعات التقليدية والفلاحة وحماية أراضي الأوقاف، ونشر التعليم المهني والفلاحي.

– ورغم اعتدال ذلك الخطاب، فقد أثار استنكار الاستعماريين الذين شنوا حملة صحفية على صاحبه ولاموا المقيم العام على تمكين ذلك الموظف السامي من التطاول على فرنسا، وبالعكس من ذلك وجد الخطاب صدى طيبا في بعض الصحف الباريسية التي دعت الحكومة الفرنسية إلى الحوار مع ممثلي الرأي العام التونسي لتمكينهم من توضيح مواقفهم والاصداع بمطالبهم.

– واستجابة لهذا الاقتراح دُعي محمد الأصرم رئيس الجمعية الخلدونية عهدئذ إلى المشاركة في المؤتمر الاستعماري المنعقد في باريس من 6 إلى 9 سبتمبر 1906، فاغتنم تلك الفرصة للتذكير بالمطالب التونسية التي أعلن عنها صديقه البشير صفر ودعا أيضا إلى ضرورة إشراك التونسيين في تسيير شؤون بلادهم.
– وفي أكتوبر 1908 انعقد مؤتمر من القبيل نفسه في باريس بمشاركة 7 أعضاء منحركة الشباب التونسي منهم البشير صفر الذي كان قد عين منذ عهد قريب عاملا على سوسة، فقدّم إلى المؤتمر بحثا قيما حول قضية الأوقاف الاسلامية، لفت فيه النظر إلى آثار الاستعمار الزراعي الذي استحوذ على أحسن الأراضي التابعة للأوقاف العامة وأخذ يستعد لانتزاع البقية الباقية من الأراضي الصالحة للزراعة من أيدي التونسيين.
– فثارت ثائرة المستوطنين الفرنسيين وطالبت الحجرة الفلاحية الفرنسية بتوجيه إنذار إلى عامل سوسة الذي سمح لنفسه بإلقاء مثل ذلك الخطاب دون الحصول على ترخيص من رؤسائه. والغالب على الظنّ أنّ المقيم العام الجديد ألا بوتيت (Alapetite)(1918-1907) قد حذّر البشير صفر من القيام بأي عمل في المستقبل يتنافى والمسؤوليات الادارية التي يضطلع بها.ذلك أنّه أمسك منذ ذلك التاريخ عن ممّارسة أي نشاط سياسي، وتفرغ لإدارة منطقته والسهر على مصالح منظوريه، متحليا بالخصال نفسها التي عرف بها من قبل وهي العمل والانضباط والنزاهة، إلى أن أدركته المنية في 2 مارس 1917.

– آثار البشير صفر المطبوعة :
* “الجغرافيا عند العرب”.
* كتاب “الجغرافيا”.
* كتاب “مفتاح التاريخ”.

@ أسامة الراعي@

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *