مصطفى صفر، سياسي تونسي
مصطفى صفر : ولد سنة 1892 في تونس العاصمة – توفي بها في 7 مارس 1941، (49 سنة).
– هو مصطفى ابن البشير صفر المناضل الوطني وباعث الخلدونية في أواخر سنوات القرن التاسع عشر والتي كانت سندا فعّالا للنخب المثقفة التونسية ولطلبة جامع الزيتونة من خلال تأمينها لجملة من الدروس والمحاضرات في العديد من العلوم المعاصرة والحديثة وأحد مؤسسي جريدة “الحاضرة”.
– انطلاقا من هذه البيئة الأرستقراطية الإصلاحية المتطلعة إلى آفاق وطنية أرحب ولد مصطفى صفر بتونس العاصمة حيث واصل تعلمه بمتابعة حريصة من والده بكل من المدرسة الصادقية ومعهد “كارنو” ومدرسة اللغات الشرقية وأخيرا بكلية الحقوق بباريس.
– أحرز مصطفى صفر على ديبلوم المعهد الصادقي وشهادة الباكلوريا بجزءيها وعمره لم يتجاوز العشرين سنة. وقد مكّن هذا التكوين الأكاديمي الرجل من أن يتبوأ جملة من المهام الوظيفية السامية فانخرط كمترجم بالقسم الأول للكتابة العامة للحكومة التونسية سنة 1913، ثم اختاره الوزير مصطفى الدنقزلي كاتبا خاصا له سنة 1921.
– ثم ارتقى إلى خطة مساعد رئيس القسم الأول في رئاسة الهادي الاخوة الذي رقّاه بدوره إلى رئاسة القسم الأول في 26 أفريل سنة 1934 كما سمي مديرا للتشريفات بقصر الباي في 1 مارس 1932 ثم انتخب شيخا لمدينة تونس ورئيسا لمجلسها البلدي.
– وإلى جانب هذه الوظائف كان مصطفى صفر يُلقي دروسا في الترجمة والتعريب بمدرسة العطّارين للترجمة والآداب.
– استغل مصطفى صفر موقعه السياسي ورصيد الاحترام الذي يكنه له الجميع بالرغم من المكائد التي حيكت له داخل محيط أفراد الحاشية الحاكمة التي انتمى إليها في بعض فترات حياته تلك، ليخدم مجالات الفنون ذات الصلة بالتونسيين قصد النهوض بهم ودفعهم إلى مجاراة الشعوب الناهضة بالدول المشابهة لنا، وقد مثّل هذا التوجه من قبل مصطفى صفر تطبيقا للنهج الإصلاحي الذي أرسى دعائمه والده البشير صفر في مجالات أخرى مختلفة أهمها التعليم.
– وجد هذا التوجه كل المساندة من قبل تيارات التجديد والمعاصرة التي عرفتها بلادنا منذ عشرينيات القرن الماضي وتواصلت على امتداد الثلاثينيات وشملت مختلف الميادين الفكرية والفنية والشبابية.
– لم يهمل مصطفى صفر أيّ عمل يمكن أن يفيد ويقوّي لحمة المجتمع التونسي فانخرط بكل قوة وفاعلية في دفع تأسيس “الرشيدية” إلى مداه الأبعد هدفه في ذلك حماية الموسيقى التونسية وإخراجها من التردي والابتذال السائد، فاجتمع حوله ثلة من الأصدقاء ذات يوم من شهر نوفمبر 1934 بمقر جمعية الخلدونية وقرروا تأسيس مؤسسة “الرشيدية” للموسيقى التونسية.
– وقد كانت بصمة مصطفى صفر واضحة المعالم وجلية في هذا التكوين فهو الذي استدعى الحضور لهذا الاجتماع وأرسل في طلبهم وأصرّ على إنجاح هذه المؤسسة التي أرسى دعائمها عبر شرايين اللجان التي أُحدِثت داخلها والتي كانت تتكون في بداية عهدها من أربع لجان أساسية وهي : اللجنة الأدبية، اللجنة الفنية، التدريس، المطارحات. وتَشكَّل المجلس الإداري الأول للرشيدية من السادة : مصطفى صفر كرئيس، مصطفى الكعاك والطاهر المهيري وبلحسن الاصرم والدكتور خياط كمساعدين للرئيس، المنصف العقبي كاتبا عاما، أحمد بن عمار أمين المال، عبد العزيز بن شعبان وجمال الدين بوسنينة وعبد القادر بلخوجة كمساعدي الكاتب العام، والسادة الطاهر الزاوش ومحمد بن عبد الله كمستشارين. وقد تبرع السيد بلحسن الاصرم بتسخير منزله الكائن بنهج الباشا عدد 36 مكرر قرب بطحاء رمضان باي ليكون المقر الرسمي للرشيدية.
– وكغيره من رواد حقبة نهاية العشرينات وبداية الثلاثينيات الثرية بإنجازاتها المختلفة في الحقل الثقافي كان لمصطفى صفر حضور في ميدان المسرح. فقد كان تأثير نخبة المثقفين التونسيين كبيرا في شخصه فجلهم انتمى إلي الفرق المسرحية العديدة التي عرفتها بلادنا منذ مطلع القرن الماضي مع انبعاث فرقة ” الجوق المصري التونسي” التي تأسست في جوان 1909 وكانت تتكون من عناصر مصرية وتونسية في ذات الوقت، كما نجد مصطفى صفر عضوا في جمعية التمثيل العربي التي تأسست في فيفري 1922 بتونس، وكانت تتكون من السادة محمد الاصرم وحسن القلاتي وحسين بوحاجب وابراهيم الأكّودي وبشير الرحال وجلهم من الوجوه اللامعة على المستوى السياسي والثقافي خلال تلك الفترة.
– ومما يذكر لمصطفى صفر أنه قام سنة 1936 بتوحيد ثلاث جمعيات مسرحية كانت موجودة آنذاك وهي : “التمثيل العربي” و”المستقبل التمثيلي” و”المسرح” تحت اسم “الاتحاد المسرحي”، والتأمت الجلسة التأسيسية بتاريخ 27 جانفي 1936 وحضرها أعضاء من المجلس البلدي ونواب عن الجمعيات وتم تكوين مكتب إداري موحّد أسندت رئاسته إلى السيد محمود الورتتاني.
– أخيرا تجدر الإشارة أنّ مصطفى صفر ترك إرثا حيا جميلا لا يمكن نسيانه، ترك لنا الرشيدية التي أسسها وحباها بعطفه وسهر على تأمين كل ظروف النجاح لها، وجمعية النادي الافريقي التي ترأسها باخلاص متناه وساهم في إشعاعها وتألقها. كما شكّل هذا الرجل في حياته منارة مضيئة في سماء الثقافة التونسية خلّد اسمه بحروف ناصعة من ذهب، فأعطى لبلاده جزيل العطاء دون أن تثنيه عن ذلك كراسي المسؤولية وصعوبة المهام التي اضطلع بها في فترة سياسية حرجة ودقيقة للغاية من تاريخ تونس عرف كيف يتكيف معها وخرج منها بأقل الاضرار.
– تخليدا لذكراه، تم تسمية شارع باسمه في حي البلفيدير في تونس العاصمة.
# أسامة الراعي#
متحصل على :
شهادة الأستاذية في التاريخ.