أحمد الدرعي، محامٍ ونقابي تونسي
أحمد الدرعي : ولد في 25 نوفمبر 1902 – توفي في 25 جانفي 1965، (62 سنة).
– هو من رجال التحديث الاجتماعي الذين واكبوا حركة محمد علي الحامي النقابية وساندوها وأيّدوا مُجمل الأفكار التحرّرية التي صدع بها رفيقه الطاهر الحدّاد في كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع.
– زاول دراسته الابتدائية في الكتّاب ثم التحق بجامع الزيتونة حيث أحرز درجة “التطويع” سنة 1922.
– أدرك مُبكّرا ضرورة إصلاح التعليم التقليدي، فأقبل على تعلّم اللغة الفرنسية والتحق بالمدرسة العلويّة فنال شهادة الديبلوم العربي. وكلّل دراسته العالية بشهادة الحقوق، هذا بالاضافة إلى إتقانه الترجمة. فكانت مسيرته التعليمية مثالا في المثابرة والارتقاء.
– باشر المحاماة وترك ثلاثة كُتُب مخطوطة أشرف على تحقيقها محمد أنور بوسنينة صدر منها كتابان: “حياة الطاهر الحدّاد”، الدار العربية للكتاب، تونس، 1975 و”دفاعا عن الحدّاد”، تونس، مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله، 1976. ومازال الثالث غير منشور وهو بعنوان: الزوايا والمجتمع التونسي في النصف الأول من القرن العشرين.
– تشبّع أحمد الدرعي بروح التحديث الاجتماعي والديني وكان من دعاة الاجتهاد وإعمال الفكر لاقتلاع ما رسّخ في عقول أهل البلاد من فهم خاطئ لعدد من العقائد الدينية والنصوص الشرعية.
– ولعلّ تأسيسه لجمعية “الجامعة الزيتونية” في مطلع العشرينات بالاشتراك مع رفيقه زين العابدين السنوسي خير شاهد على ما كان يختلج في صدر هذا المصلح من حماسة وإقدام. ففي 20 ديسمبر 1923، صدر قانون التجنيس المتعلق بإجراءات إسناد الجنسية الفرنسية إلى المتساكنين في الإيالة التونسية، فهبّت الصحافة الوطنية لمقاومة هذا القانون، وتزعّم الحزب الحرّ الدستوري التونسي الحملة الشعواء على التونسيين المتجنّسين بالجنسية الفرنسية. وقد أسهم الشابّ أحمد الدرعي في هذه الحملة، فوجّه برقية احتجاج إلى أمير البلاد محمّد الحبيب باي جاء في مطلعها ما يلي:
“إنّ أوامر التجنيس تجعل ملككم
ألقاب سلطنة في غير موضعها
كالهرّ يحكي انتفاخا صولة الأسَد “
– فأُحيل صاحب البرقية على المحكمة الجنائية بتونس بتهمة التطاول على مقام “الحضرة العلية”. فصدر عليه الحكم بستة أشهر سجنا مع تأجيل التنفيذ.
– وفي خضمّ التحوّلات الاجتماعية والثقافية التي حدثت بتونس إثر الحرب العالمية الاولى، وعلى وجه التحديد في سنة 1923، كان الطاهر الحداد صحبة رفيقه أحمد الدرعي “يصدع في النوادي بانتقاد طرق العمل المهلهلة في السياسة التي سلكها قادة الحزب الدستوري”. واقترن هذا التوجّه المعارض ببداية تجربة محمد علي الحامّي الرائدة في الحقل الاجتماعي. فكان أحمد الدرعي من المسهمين في الأعمال الأولى لتأسيس جمعية التعاون الاقتصادي التونسي (29 جوان 1924). وانتخب عضوا في اللجنة التنفيذية الوقتية لجامعة عموم العملة التونسية، وكُلّف بالمراقبة (3 ديسمبر 1924).
– وقد وصف الطاهر الحدّاد رفيقه أحمد الدرعي في كتابه العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية (طبعة1972، ص 158) كما يلي: “وهو من خيرة الشباب الساعين لخير بلادهم، شعور حيّ وفكرة صحيحة وعميقة، يؤمن بأوّلية الحركة الاجتماعية، ويراها منبع القوّة الشعبية وسبيل الفوز في الحياة. أعطى كلّ وقته للعمل في الحركة النقابية، ولم يكن له عمل غيرها، وكان في ذلك ساعيا مجدّا ونشيطا يحضر الاجتماعات العمومية والطائفية للعمّال، ويسافر لتفقّد النقابات التي تأسست إذ ذاك في الخطّ الشمالي ويعطي التعليمات والارشادات العمومية مباشرة. واختصّ في إدارة الجامعة بعمل الترجمة للصحافة الفرنسية في كلّ ما يهمّ الجامعة وتتبّع منشوراتها من أجل ذلك…”.
– وممّا يؤكّد هذه الشهادة ما قام به أحمد الدرعي من دور، باعتباره مفاوضًا بين قادة الحزب الدستوري وبين الزعيم النقابي محمد علي، ومراسلاً للصحف الناطقة باللغة الفرنسية مثل “تونس الاشتراكية” و”المستقبل الاجتماعي”.
– ومن ناحية أخرى، فقد حمّل أحمد الدرعي أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب الدستوري مسؤولية ابتعاد العماّل عن الحزب، وطالب بعقد مؤتمر موسّع للبحث في هذه القضية.
– ويبرز إيمانه بالاصلاح الاجتماعي في ما أبداه من وفاء وجرأة للدفاع عن رفيقه الطاهر الحدّاد عند صدور كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع في سنة 1930، وما أثاره من ضجّة في الأوساط الدينية والثقافية. وقد ظهر ذلك في مناسبتين مهمّتين: أولاهُما الاسهام في حفل التكريم الذي أُقيم في كازينو البلفيدير بالعاصمة يوم 17 أكتوبر 1930، وذلك بإلقاء كلمة مطوّلة حول منطلقات الحدّاد الاصلاحية وأبعادها. والأخرى بالردّ على خصوم الحدّاد في الصحافة، مؤكّدا بالخصوص “أن الذين يثيرون هذه الحملة يعلمون أن الدهر سيسخر من حمقهم، وأن الأجيال المقبلة ستُكبر العمل الذي يصخبون حوله الان، فينفثون مستترين ما في صدورهم من غلّ اتّقاءً للفضيحة التي يتحقّقونها…”.
– وقد واصل أحمد الدرعي نضاله في الحقل الاجتماعي في فترة الاستقلال، فأسهم في الجدل الذي دار حول إصلاح القضاء التونسي وتوحيده. فانتدب قاضيا في سنة 1957، وكان إسهامه في تأسيس الاتحاد القومي للمكفوفين أروع شاهد على ما كان يختلج في نفسه من مشاعر إنسانية وجّهت حياته وأفكاره. كماعمل على نشر الرّياضة من ذلك نشاطه حتى أواخر حياته في جمعيّة “الزّيتونة الرّياضيّة”.
– توفّي أحمد الدرعي يوم 7 جانفي 1965.
# أسامة الراعي#