علي الرياحي:مطرب وملحن تونسي

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

توفي في مثل هذا اليوم 27 مارس من سنة : 1970 – علي الرياحي، مطرب وملحن تونسي.

– علي الرياحي (ولد في 30 مارس 1912 – توفي في 27 مارس 1970).
– يمتاز الفنان علي الرّياحي بميزتين :
* الأولى، تتعلق بسيرته الذاتيّة الموسُومة بالعصاميّة. ذلك أنه لم يدرس الموسيقى لا نظريّا ولا تطبيقيّا، فلا هو خرّيج المعاهد الموسيقيّة العليا ولا الجامعات والكليات المتخصّصة في العلوم الموسيقيّة، كما أنه لم يكن عازفا ماهرا ولا يتقن إلاّ التوقيع على آلة الرّق لضبط موازين الألحان التي تبدعها مواهبه الفطريّة.
* أمّا الميزة الثانية، فإنها تخصّ مسيرته الابداعيّة التي برزت في نظم كلمات أغانيه وصياغة ألحانها ليتولّى أداءها بصوته دون الاعتماد على أيّ صوت من الأصوات التونسيّة التي عاصرته. لذلك حُقّ فيه صفة الفنان الفرد في صيغة الجمع باعتباره جمع بين التأليف والتلحين والغناء.

– ولئن كان علي الرّياحي ينحدر من أسرة دينيّة عميدها جدّه الأوّل الولي الصّالح والعالم إبراهيم الرّياحي، فإن ثقافته كانت فرنسيّة باعتباره خرّيج معهد كارنو الفرنسي.
– ففي رحاب ذلك المعهد تفتقت موهبته في الرّسم. فعُرف باسم الفنان الرّسّام فتحي الرّياحي. وصادف أن عُرضت لوحته على عميد الرسّامين علي بن سالم، فأكّد موهبة الطّفل. وأسند له عددا ممتازا مبشّرا بمستقبل زاهر في مسيرته الابداعيّة في الفن التشكيلي.
– لكن البيئة التي نشأ في ظلها علي الرّياحي وترعرع في حياضها كان أفرادها مثل والده وعمّه وأمّه من هواة الموسيقى لا سماعا فقط وإنما ممارسة وعزفا وغناء في سهراتهم العائليّة.
– فكان من الطّبيعيّ أن يتأثر الطفل بمحيطه منذ أن ولد يوم 30 مارس 1912 بتونس العاصمة. وقد أهداه جاره بالسّكنى فضيلة الشيخ محمّد الفاضل بن عاشور الآلة الحاكية مع مجموعة من الاسطوانات لأساطين الطّرب العرب أمثال صالح عبد الحيّ وخاله عبد الحيّ حلمي وسيّد درويش ومنيرة المهدية وأمّ كلثوم ومحمّد عبد الوهاب.
– فلا غرو في أن يتأثر بتلك الرّوائع الخالدة المنبعثة من تلك الاسطوانات التي كان يوزعها باعث صناعة الاسطوانات في تونس البشير الرّصايصي. لذلك جاءت أغانيه الأولى سابحة في يمّ المشرقيّة. وهو ما جعل عثمان الكعّاك مدير القسم العربي للإذاعة التونسيّة يرفضها ويمنعه من دخول مقرّ الإذاعة الذي كان يوجد وقتذاك في ساحة العملة. وهي ساحة علي الزواوي حاليّا.
– لذلك عاد علي الرّياحي إلى المعين الفني الذي لا ينضب وهو دكان عبد العزيز الجميّل حيث كان يشهد المطارحات الفنيّة القيّمة التي كانت تعقد في خَلْوَته أي مقصورة دكّانه لصناعة الالات الموسيقيّة وإصلاحها. فتغذّى علي الرّياحي بروح الطّبُوع التونسيّة. وحفظ بعض نوبات المالوف.

– تولى الفنان محمد التريكي تدوين أغاني علي الرّياحي بالنوطة الموسيقيّة واحتضنه في فرقته لتقديمه إلى الجمهور في أوّل حفل غنائي انتظم بدار الثقافة ابن رشيق يوم الخميس 17 ديسمبر 1936.
– لكن ذلك الحفل لم يكن الأوّل لمطرب الخضراء علي الرّياحي. فقد سبق له أن غنّى بالمرسى لكن حفله لم يحظ بإعجاب الجمهور الّذي كان محدود العدد، الأمر الّذي حمل أعضاء الفرقة على نصحه بالبحث عن عمل آخر. ومن ثمة فإن حفله الثاني هو الّذي استقطب جماهير غفيرة بفضل حملة الدّعاية التي أحسن تنظيمها متعهّدا حفلاته الهادي الجعايبي ومحمّد غانم. وقد غنّت معه في هذا الحفل الثاني المطربة صالحة المصرية. لذلك، كان مطرب الخضراء كما لقبه الشاعر محمود بورقيبة فنانا تحدّى العصاميّة ليضرب بسهم صائب في منظومة الابداع الشامل شاعرا وملحّنا ومطربا.

– وتتجسّد تلك الشموليّة في الابحار في يمّ الطبوع التونسيّة والسّباحة في بحر المقامات الشرقيّة فضلا عن “المزنجيّة” في قصيدة نور الدّين صمّود “حبيبتي زنجيّة” والحضريّة مثل “يا اللي ظالمني والرّوح معاك” لبلحسن العبدلي… فلا غرو أن تشكّل أغانيه باقة من الألوان الزاهية مثل أغنية “زهر البنفسج بكّاني”. فكانت تلك الألوان تحاكي قوس قزح من حيث النوعيّة الابداعيّة أيضا.

– وقد كانت أغانيه تارة تونسيّة أصيلة وتارة أخرى مشرقيّة. من ذلك أن أغنية “يا شاغلة بالي” تشكّل قوس قزح من حيث المقامات المشرقيّة التي تتماهى والرّاست والنهاوند على غرار أغنية “يااللي ظالمني”.

– كذلك الشأن بالنسبة إلى الرّياحي الشاعر. فقد حذق اللهجة البدويّة في “بيت الشعر هي على الرّقوبة” واللهجة التونسيّة الحضريّة في “يعيّشها ويحميها”. أمّا أغنية “زينة يا بنت الهنشير” قد جاءت سابحة في يمّ المزموم، ذلك الطبع التونسي العاطش، فضلا عن اللون الطرابلسي في أغنية “ضو القميرة” وقد كان رائجا، وقد سجّلها بالجزائر سنة 1946، وكذلك أغنية “قالتلي كلمة وعاودتها”. وقد أدخل علي الرياحي في لحن أغنية “زينة” آلة الزكرة الشعبيّة فضلا عن استعماله للايقاعات التونسيّة مثل السّعداوي والفزاني. وقد اشتهرت هذه الأغنية بصوت لطفي بوشناق مثل أغنية “العالم يضحك” التي اشتهرت بصوت الزين الحدّاد.

– كما أبدع علي الرّياحي في الفلامنكو الّذي كاد ينفرد به الهادي الجويني. وذلك في أغنية “قالت لي كلمة وعاودتها” حيث سبح في بحر ذلك الإرث العربي الإسباني.

– وقد نجح أيضا في الوصل بين الشعر البدوي والايقاع الغربي كما في أغنية “الصّحراء والغزلان” التي وظف فيها إيقاع الصّمبا الأمريكية اللاتينيّة، وكذلك رائعة “ما حبّيتش وعمري ما نحب”. وكان قد سجل تلك الأغنية بصوته في إذاعة صوت العرب المطرب المصري الشيخ أمين حسنين.

– وقد استضاف موسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب علي الرّياحي بالقاهرة سنة 1953 ليغنّي أغنية “زينة يا بنت الهنشير”. وكان يطالبه بإعادتها طربا وإعجابا.
– وكان علي الرّياحي تحوّل إلى مصر يوم 18 مارس 1953 حيث غنى على تخت الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن بالمعهد الأعلى للموسيقى بالقاهرة. وقد راجت أغنيته “يا اللي ظالمني” في مصر بصوت المطربة حسيبة رشدي التي أدرجتها في أحد أفلامها أثناء إقامتها بالعاصمة المصريّة في أواخر الأربعينات، كذلك شأن المطربة عليّة التي غنت أيضا “ياللي ظالمني”.

– ولم يلحن علي الرّياحي إلاّ أغنية يتيمة ليوسف التميمي وهي بعنوان “اللي ما يعرفش الحبّ”، كلمات الشاعر منوّر صمادح. ولم يغنّ أيضا الرياحي إلاّ أغنية وحيدة من تلحين الموسيقار المصري عبد العزيز محمّد بعنوان “يا حادي البطحاء عرج على نجد”.

– أمّا في المسرح فلم يمثل إلاّ في مسرحيّة واحدة. وهي “سلطان المعاصي”، اقتباس محمّد القرجي وإخراج محمّد الدرّاجي وقد غنى فيها “ينجيك وينجّيني”.

– أمّا في السّينما فقد لحّن علي الرّياحي أغاني فيلم “أنشودة مريم” التي أدّاها محمّد الجمّوسي أثناء إقامته بالجزائر 1946 مع قدّور الصّرارفي الّذي تولّى ترقيم تلك الأغاني لتنفيذها أركستراليّا.
– والجدير بالذكر أن المخرج عُمار الخليفي قد جمع علي الرّياحي وعليّة ونعمة والهادي السّملالي في فيلم قصير “حبّ وغيرة”، في حين أنّ أغنية “العالم يضحك” صوّرت سينمائيا وعرضت بالقاعة السنيمائية الشونزيليزي.

– وقد تطول القائمة الاسميّة لأغاني علي الرياحي لتشمل “ما تفكّرشي في الأحزان” تأليف عبد العزيز الحاج الطيّب و”المولى يصونك” و”أنا كي الطّير” و”علموك الهجر” و”تكويت ما قلت أحّيت”. وهذه الأغنية الأخيرة هي آخر أغنية له. فقد سقط مغشيا عليه على خشبة المسرح البلدي لمدينة تونس وتوفّي يوم الخميس 27 مارس 1970 دون أن يؤدّي أغنية “قتلتني من غير سلاح” التي شرعت الفرقة الموسيقيّة بقيادة الموسيقار عبد الحميد بن علجيّة في عزف مقدّمتها الموسيقيّة.

– ومنخ مفارقات الدّهر أنّ علي الرّياحي كان يستعدّ للاحتفال بعيد ميلاده يوم 30 مارس 1912. لكن شاءت الأقدار أن يرحل قبل 3 أيام من ذلك الموعد ويُسدل السّتار على مسيرته الابداعيّة. وقد كان يُمني النفس بالموت على الرّكح وهو يغني بل يملأ الدنيا شدوا وإبداعا ويشغل الناس أنسا وإمتاعا ويُسهم في إغناء الأغنية التونسيّة أَلَقًا وإشعاعا.

# أسامة الراعي 

Loading

أسامة الراعي

متحصل على : شهادة الأستاذية في التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *