ما وراء ايقاف البث الإذاعي للقسم العربي بهيئة الاذاعة البريطانية (هنا لندن ) بعد ان كانت من مصادر الاخبار العالمية الموثوقة لأجيال متعاقبة في العالم العربي

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

لقد فاجأني خبر توقف بث القسم العربي لهيئة الاذاعة البريطانية بعد مسيرة 84 سنة ، تربطني بها علاقة ودّ وإعجاب حيث كنت من مستمعيها منذ طفولتي في نهاية خمسينات القرن الماضي بحكم مداومة جدي لمتابعتها خاصة في نشرات الأخبار حيث كان لمذيعيها الأثر في تكويني الإعلامي كذلك نالني شرف تكريمي من هيئة الاذاعة البريطانية بحصولي على الجائزة الأولى في مسابقة قصص الأطفال التي نظمتها سنة 1966 وكان عمري آنذاك 15 سنة ، وسررت كثيرا عند تلقّي الجائزة مرفوقة برسالة تهنئة وتشجيع ؛ وأذكر أن رغبتي في الكتابة نتيجة حصولي على رصيد لغوي ومعرفي من المطالعة المتواصلة حيث كنت كثير التردد على المكتبات العمومية و انخراطي لإستعارة كتب المطالعة من المكتبة المتجولة ومن الإتحاد الثقافي،كما كانت تصلني بريديا بصفة دورية مجلة هنا لندن والتي تعتبر حلقة تواصل ؛ هذا الإطار مكنني من دخول مجال الإعلام الصحافة المكتوبة 1969، الإذاعة 1972، التلفزة 1974…لأتوج مسيرتي بالإعلام الرقمي واسهامي طيلة سنوات في تأطير ومرافقة عديد الإعلاميين والصحفيين في إنطلاقتهم الأولى في الإعلام المدرسي…أعود لأشير أن مسيرتي في البداية اعتمدت متابعتي الإذاعات الخارجية من ذلك راسلت القسم العربي لراديو براغ بتشيكوسلوفاكيا سابقا وأسست سنة 1968 نادي أصدقاء راديو براغ بصفاقس ، ولا أنسى مشاركاتي الاولى في برامج الأطفال والشباب في إذاعتي صفاقس أواخر الستينات ثم تونس التي شهدت بداية مساهمتي في الإعداد والتقديم … طبعا هذه الذكريات أحيتها في هذه المناسبة التي ألمتني في توقف القسم العربي لهيئة الاذاعة البريطانية عن البث ، وهنا أشاطر إحساس وخواطر الصديق محمود الحرشاني الذي تجمعه هوالأخر ذكريات لاتنسى حيث هو الآخرتعلّم منها الكثير وراسلها وهو تلميذ فكانت تقدّم له رسائله في برامجها المختلفة ثم توفرت له الفرصة ليكون مراسلها غير الدائم وقد حظي بتكريم هذه الاذاعة منذ اربع سنوات حيث زار مقرها في لندن، فعلا فإن هذه الإذاعة قد شكّلت جزءا كبيرا من شخصية الكثير في المجال الإعلامي والثقافي ؛ فكنت أتمنى لو تبقى هذه الإذاعة المتألقة بقسمها العربي لمواصلة رسالتها الإعلامية والثقافية باعتبار إشعاعها الدولي وليتمتع مستمعيها بالأداء المتألق لكبار المذيعين والمنتجين…

نهاية وسيلة إعلام كلاسيكية بعد البث التلفزي التناظري وإنهيار الجرائد الورقية في زمن سيطرت فيه الرقمنة الجديدة :

إنها بداية نهاية وسيلة إعلام كلاسيكية أخرى بعد البث التلفزي التناظري وإنهيار الجرائد الورقية في زمن سيطرت فيه الرقمنة الجديدة وأحكمت قبضتها على عالمنا ؛ فعلا تم ايقاف البث الإذاعي للقسم العربي بهيئة الاذاعة البريطانية (هنا لندن ) بعد ان كانت من مصادر الاخبار العالمية الموثوقة لأجيال متعاقبة في العالم العربي وكثير من الدول الأسلامية
أما الأسباب المعلنة عن إيقاف البث الإذاعي فهي لتوفير النفقات واختصار عدد الموظفين وأيضا للتحول نحو البث عبر الأنترنت الذي صار وسيلة تزداد انتشارا ، لكن التمعن بتاريخية القسم العربي لإذاعة لندن سيقودنا إلى أن ثمة رابط غير مباشر يربط بين الحدثين، فأول مرة سمع العرب عبارة “هنا لندن” كانت في مطلع عام 1938، يوم كانت بريطانيا إمبراطورية كبرى وتهيمن على قسم هام من البلدان العربية إضافة إلى أن نذر الحرب العالمية الثانية كانت تظهر قي الآفاق فكان لابد للإمبراطورية إلا أن تطرق أسماع تابعيها بلغتهم التي يفهمونها، ومع سنوات الحرب وبعدها كان البث العربي يزداد في عدد ساعاته وتأثيره حتى أصبح من أكثر ما يسمعه العرب من إذاعات وربما لا يضاهيه أهمية إلا الإذاعات المصرية خاصة زمن المد القومي الناصري .لكن سنوات السبعينات والثمانينات وبعدها شهد تراجع إذاعة لندن بمواجهة إذاعات بدت أكثر عصرية مثل مونتي كارلو الفرنسية ، ومع تراجع أهمية التأثير البريطاني في المنطقة العربية قلصت الإذاعة ساعات البث اليومية وطبيعة برامجها.
ماتت الملكة إليزابيت طاوية معها سنوات الصراعات الكبرى ومذكرة البريطانيين أنهم لم يعودوا أمبراطورية كبرى او مركز تأثير عالمي هام ولم يعد ثمة تابعين يفترض مخاطبتهم بلغتهم التي يفهمونها ، لكن العرب سيبقون متذكرين دقات “بيغ بن” وندوة المستمعين ودكان الألحان و السياسة بين السائل والمجيب وقول على قول وثمرات المطابع لسنوات طوال.

التضخم المرتفع والتكاليف المرتفعة وتسوية رسوم الترخيص النقدية الثابتة أدت إلى خيارات صعبة :

كما أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية الـ”بي بي سي” انها ستلغي مئات الوظائف عبر الخدمة العالمية مع إغلاق المحطات الإذاعية في إطار خطّة لإعادة هيكلة المحطة. وأعلنت الهيئة في بيان لها انه سيتم إلغاء 382 وظيفة بموجب المخطط المدروس، وإغلاق راديو “بي بي سي عربي” وراديو “بي بي سي الفارسي”.مشيرة إلى أن التضخم المرتفع والتكاليف المرتفعة وتسوية رسوم الترخيص النقدية الثابتة أدت إلى خيارات صعبة عبر هيئة الإذاعة البريطانية.
وتعد بي بي سي العربية أكبر وأقدم خدمة اعلامية تطلقها بي بي سي بلغة غير الإنقليزية، وقد واصلت تطورها منذ انطلاقها في 3 جانفي عام 1938 حتى صارت في مقدمة المحطات الإعلامية في العالم. وكانت تعرف منذ نشأتها وحتى التسعينات بـ “القسم العربي بـ هيئة الإذاعة البريطانية”. وبالافتتاحية الشهيرة “هنا لندن: هيئة الإذاعة البريطانية” وقد أصبحت الافتتاحية في فترة التسعينات “هنا لندن: بي بي سي”.
وكان من أشهر مذيعي بي بي سي العربية عبر العصور: – أحمد كمال سرور، أول مذيع يقرأ نشرة في بي بي سي العربية في عام 1938 – حسن الكرمي الذي قدم برنامج قول على قول ثلاثين عاماً متتالية – ابراهيم عبدالله – عيسى صباغ، وهو من أوائل المذيعين في بي بي سي – ماجد سرحان – مصطفى عبدالله – عمر ابراهيم الدسوقي – سامي حداد – جميل عازر – أحمد فتحي – مديحة المدفعي – افتيم قريطم -ماهر عثمان – محمد الأزرق – هدى الرشيد – سالم كايد العبادي – سلوى جراح – حسام شبلاق – أيوب صديق – رشاد رمضان – محمود المسلمي – فؤاد عبدالرازق – محمد صالح الصيد – علي أسعد – إسماعيل طه – جورج مصري – نورالدين زورقي – حسن ابو العلا – الطيب صالح – منير شما ، كارم محمود. ونوران سلام و حسن معوض وصفاء فيصل ومحمود مراد ، كذلك مديحة المدفعي أول صوت نسائي ينطلق من القسم العربي لقراءة نشرات الأخبار حتى قبل أن يسمح للمذيعات بذلك في الخدمة العالمية في بي بي سي بخمسة عشر عاماً.كذلك هدى الرشيد، مذيعة الأخبار التي انضمت إلى “بي بي سي” في أواسط السبعينيات دون أن ننسى أحمد كمال سرور، أول مذيع يقرأ نشرة في “بي بي سي العربية” في عام 1938؛ والقائمة تطول …

كما أكدت هيئة الإذاعة البريطانية أن التضخم المرتفع والتكاليف المرتفعة وتسوية رسوم الترخيص النقدية الثابتة أدت إلى خيارات صعبة عبر هيئة الإذاعة البريطانية”.وأضافت أن خدمات “بي بي سي” الدولية بحاجة إلى توفير 28.5 مليون جنيه إسترليني كجزء من المدخرات السنوية الأوسع البالغة 500 مليون جنيه إسترليني كجزء من محاولتها لجعل الشركة رائدة رقمية.
وتعليقا على الخطوة التي تحرم ملايين المستمعين العرب من خدمة ألفوها منذ صغرهم قالت فيليبا تشايلدز، رئيسة نقابة الإذاعة : تشعر النقابة بخيبة أمل لرؤية التغييرات المقترحة على الخدمات التي أعلنتها الخدمة العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية اليوم. وتضيف: في حين أننا ندرك أن بي بي سي يجب أن تتكيف لمواجهة تحديات المشهد الإعلامي المتغير، فإن العمال هم الذين يتضررون مرة أخرى من القرارات السياسية التي تتخذها الحكومة بشكل سيئ. وتابعت: بالإضافة إلى التداعيات المحتملة على سمعة “بي بي سي” على مستوى العالم، ستؤثر هذه المقترحات بشكل مباشر على الأشخاص الموهوبين و المتفانين الذين يعملون بجد لتقديم خدمات إخبارية مهمة للأمة وخارجها.
وتقول هيئة الإذاعة البريطانية: إن عادات الجمهور آخذة في التغير وإن المزيد من الناس يصلون إلى الأخبار عبر الإنترنت، وهو ما يعني، أنه في ظل تجميد تمويل “بي بي سي” من الحكومة وزيادة تكاليف التشغيل، فإن الانتقال إلى “الرقمية أولا” يبدو منطقيا من الناحية المالية.
وبالتالي تتوقف الخدمات الإذاعية باللغتين العربية والفارسية وسبع لغات أخرى، إذا تمت الموافقة على المقترحات من قبل الموظفين والنقابات.

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *