في رحاب الإسلام : حقوق الرعية على الراعي

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

قال -صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهله وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عنه، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ رواه أحمد في المسند

إقامة العدل بين الرعية:
قال -تعالى-: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25].

يقول الله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135].

ويقول أيضًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

وأمَر الإسلام كذلك بالعدل في القول؛ فقال -تعالى-: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152].

كما أمر بالعدل في الحُكم؛ فقال -تعالى-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].

كما أمر بالعدل في الصلح؛ فقال -تعالى-: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9].

وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في بدايتهم: ((الإمام العادل)).

وفي مسند الإمام أحمد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغضهم إليه إمام جائر)).

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: ((إنما الإمام جُنَّة؛ يُقاتَل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعَدَل، فإن له بذلك أجرًا، وإن أمر بغيره، فإن عليه وزرًا))؛ متفق عليه.

وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا))؛ صحيح مسلم.

ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه-: ((واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب))؛ متفق عليه.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يُفطِر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنَّك ولو بعد حين))؛ أخرجه الترمذي، وأحمد.

قال -تعالى-: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 49، 50].

وقال -سبحانه-: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ [الجاثية: 18 – 19].

ويقول الله -تعالى- في كتابه العزيز:
﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45].

وكذا آية: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47].

وقال -تعالى-: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

النصح للرعية:
فيعمل على جلب ما فيه النفع لهم، ودفع ما فيه الضرر، وليأخذ على أيدي الفاسدين المفسدين، من أصحاب الدعوات الهدامة، والعقائد الباطلة؛ لمنع شرورهم، وحماية الأمة من فسادهم.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من راعٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لها، إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة))؛ أخرجه مسلم.

وعن مَعقِل بن يَسار -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من أميرٍ يَلِي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة))؛ أخرجه مسلم.

وقد دلَّت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن الولاية أمانة يجب أداؤها في مواضع، مثل ما تقدم، ومثل قوله لأبي ذر -رضي الله عنه- في الإمارة: ((إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها))؛ أخرجه مسلم.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ولاَّه الله شيئًا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخَلَّتِهم وفقرِهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة))؛ صحيح سنن أبي داود.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهله وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عنه، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ رواه أحمد في المسند.

وعليه؛ فإقامة الدين، وحفظه، والدعوة إليه، ودفع الشبه عنه، وتنفيذ أحكامه وحدوده بالحكم بما أنزل الله بين الناس، والجهاد في سبيل الله – كل ذلك من واجبات إمام المسلمين وراعيهم.

 الحلم والرفق بالرعية:
ومن حقوقهم عليه أن يرفق بهم، ولا يشق عليهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم من وَلِي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، ومن وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرَفَق بهم، فارفق به))؛ مسلم.

وقد ضرب النبي -عليه الصلاة والسلام- المثلَ الأعلى في الرفق؛ فقال -عليه الصلاة السلام-: ((إن الله يحب الرفق في الأمر كله))؛ البخاري.

وقال -تعالى-: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 128، 129].

وقال -تعالى-: ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ﴾ [الإسراء: 28].

وقال -تعالى-: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

وقال -تعالى-: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

مشاورة أهل الرأي من الرعية:
قال -تعالى-: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

قال -تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ذات يوم: ((لو اجتمعتما في مشورة، ما خالفتكما))؛ رواه أحمد (17533).

وقد أشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفر الخندق، وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بها ونفذها؛ ولأنها قد نفذت في بلاد فارس، وكانت مُجدِية نافعة.

وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: “ما رأيت أحدًا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم”؛ البخاري.

تفقد أحوالهم وألا يحتجب عنهم:
عن عمرو بن مرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من إمام أو والٍ يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته))؛ صحيح؛ أخرجه أحمد.

وقال الله -تعالى- عن سليمان -عليه السلام-: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴾[النمل: 20].

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: “والله لو أن بغلة بالعراق تعثَّرت، لسُئلت عنها يوم القيامة”.

سابعًا: أخذ حق الضعيف من القوي:
ومن حقوقهم عليه أن يأخذ الحق من غنيِّهم لفقيرهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادْعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرَد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب))؛ متفق عليه.

وفي خطبة أبي بكر الصديق، قال: “أما بعد أيها الناس، فإني قد ولِّيت عليكم ولست بخيركم؛ فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني.

الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.

لا يدع قوم الجهادَ في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله”؛ (السيرة؛ لابن هشام).

الدفاع عنهم:
فإن الدفاع عن الرعية وأموالهم وأعراضهم من واجبات الإمام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته)).

ومن ذلك: حفظ الحدود والثغور، والأخذ بقوة لمن روَّع أمن الناس وأفزعهم؛ قال – تعالى -: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].

 أن يختار الأشخاص الأكْفاء للعمل معه:
قال الله -تعالى-: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26].

فينبغي توفر القوة والأمانة، وهما في الناس قليل؛ كان عمر -رضي الله عنه- يشكو من ذلك، ويقول: “اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة”.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها))؛ رواه مسلم.

في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قومًا دخلوا عليه فسألوه الولاية؛ فقال: ((إنا لا نولِّي أمْرنا هذا مَن طلبه)).

وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعًا: ((من وَلِي من أمر المسلمين شيئًا، فولَّى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله))؛ (البيهقي في الكبرى بإسناد فيه ضعف).

قال شيخ الإسلام – في السياسة الشرعية ص14 -:
استعمال الأصلح:
فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شَيبة، طلبها منه العباس؛ ليجمع له بين سقاية الحاج، وسدانة البيت، فأنزل الله هذه الآية، بدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة.

فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح مَن يجده لذلك العمل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من ولي من أمر المسلمين شيئًا، فولَّى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله)).

وفي رواية: ((من قلَّد رجلاً عملاً على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله، وخان رسوله، وخان المؤمنين))؛ رواه الحاكم في صحيحه.

وروى بعضهم أنه من قول عمر لابن عمر، روي ذلك عنه.

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “من ولي من أمر المسلمين شيئًا، فولَّى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين”.

وهذا واجب عليه، فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات، من نوَّابه على الأمصار، من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان، والقضاة، ومن أمراء الأجناد، ومقدمي العساكر والصغار والكبار، وولاة الأموال من الوزراء والكتاب، والشادين، والسعاة على الخَراج والصدقات، وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين.

وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده، وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة والمؤذنين، والمقرئين، والمعلمين، وأمير الحاج، والبرد، والعيون الذين هم القصاد، وخزان الأموال، وحراس الحصون، والحدادين الذين هم البوابون على الحصون والمدائن، ونقباء العساكر الكبار والصغار، وعرفاء القبائل والأسواق، ورؤساء القرى الذين هم الدهاقون.

فيجب على كل من ولي شيئًا من أمر المسلمين -من هؤلاء وغيرهم- أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضعٍ أصلحَ من يقدر عليه، ولا يقدِّم الرجل لكونه طلب الولاية، أو يسبق في الطلب.

بل ذلك سبب المنع؛ فإن في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قومًا دخلوا عليه فسألوه الولاية؛ فقال: ((إنا لا نولي أمْرَنا هذا مَن طلبه)).

وقال لعبدالرحمن بن سمرة: ((يا عبدالرحمن، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أُعطيتها من غير مسألة أُعِنت عليها، وإن أُعطيتها عن مسألة وُكِلت إليها))؛ أخرجاه في الصحيحين.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من طلب القضاء واستعان عليه، وُكِل إليه، ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه، أنزل الله إليه ملكًا يسدِّده))؛ رواه أهل السنن.

فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره؛ لأجل قرابة بينهما، أو ولاء عتاقة أو صداقة، أو موافقة في بلد، أو مذهب، أو طريقة، أو جنس، كالعربية، والفارسية، والتركية، والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة، أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهي عنه في قوله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].اهـ

عاشرًا: أن يكافئ المحسن، ويعاقب المسيء:
وهذا من العدل الذي أوجبه الله -تعالى- قال -سبحانه-: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 31].

وكما قال الله -تعالى- عن الملك العادل ذي القرنين: ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 87 – 88].

فلا بد من محاسبة الولاة وأرباب المناصب والعمال؛ فيكافئ المحسن، ويأخذ على يد المقصِّر والمسيء؛ وفي الحديث عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال: استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً من الأَزْد، يقال له: ابن اللُّتْبِية، على الصدقة، فلما قَدِم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي؛ قال: ((فهلاَّ جلس في بيت أبيه، أو بيت أمه؛ فينظر أيُهدَى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحدٌ منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعَرُ))، ثم رفع بيده حتى رأينا عُفْرَة إبْطيه: ((اللهم هل بلَّغت، اللهم هل بلغت)) ثلاثًا؛ متفق عليه.

وعن عَدِي بن عَمِيرة الكندي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن استعملناه منكم على عمل، فكتمَنا مِخْيطًا فما فوقه، كان غُلولاً يأتي به يوم القيامة))، قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار -كأني أنظر إليه- فقال: يا رسول الله، اقبَل عني عملك، قال: ((وما لك؟))، قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: ((وأنا أقوله الآن: مَن استعملناه منكم على عمل، فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى))؛ أخرجه أحمد، ومسلم.

حادي عشر: أن يكون قدوة في الخير للرعية:
لأن الناس على دين أمرائهم؛ أي: يسيرون بسيرتهم؛ فعلى الحاكم أن يكون إمامًا في الحق والخير، قال الله -تعالى- حاكيًا دعوة الصالحين: ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

وقال الله -تعالى-: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

والله وحده من وراء القصد، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد.

[ditty_news_ticker id="9545"]

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *