في منتدى الفكر التنويري التونسي تكريم الأديب علي الدوعاجي ” فنان الغلبة “

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

في إطار سلسلة أعلام الثقافة التونسية تتواصل اللقاءات التي تنظمها المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات و التظاهرات الثقافية و الفنية بوزارة الشؤون الثقافية حيث انعقدت فعاليات الندوة الفكرية تكريما للأديب علي الدوعاجي يوم 28 ديسمبر 2022 بمدينة الثقافة بتونس العاصمة
هذه الندوة التي تميزت بمداخلات و عروض ثرية و متنوعة قدمها ثلة من المثقفين التونسيين الذين استعرضوا ميزات الدوعاجي في مجالات الأدب و الصحافة و خصوصياته في ميادين فنية كالرسم و الكاريكاتور و أدب الترسل والمسرح الإذاعي و الشعر و الغناء و الزجل .

الدوعاجي الرسام والمعاشر لرسامي عصره :

و قد أشار الأستاذ الحبيب بيدة في مداخلته حول قرابة الرسم و القص ام حواء لعلي الدوعاجي هل هي تحويل وجهة الأسطورة؟ بقوله: اعرف ان علي الدوعاجي كان رساما و معاشر الرسامين في عصره .له نظرة رسام يتخيل الفضاء و يحول وجهته أو يقوم بتحويل وجهته التي يعبر عنها بالفرنسية Détournement و هو مفهوم هام في تاريخ الفن…
ويضيف : كان التحول في ذهن الدوعاجي لا فقط فرجويا بل ذهنيا و خياليا و ربما أيديولوجيا رمزيا يسرح عقولنا من مسرح الحياة و باستطاعته مخرج مسرحي أو سينمائي أن يجعل من قصته هذه منطلقا لخيال بصري منتج لتحويل وجهة جديدة.
و بدوره ذكر الباحث التونسي ضو سليم في مداخلته مقومات الكتابة الرحلية في ” جولة بين حانات البحر المتوسط..إن اعتبار علي الدوعاجي رائد الحركة التجديدية في الأدب التونسي المعاصر ليس من باب المبالغة أو المفاخرة بالرجل فبالفعل كان الدوعاجي رائد القصة القصيرة و رائد الأدب الساخر و مجددا في الكتابة الصحفية و أدب الرحلة . و من جانبها بينت الأستاذة الباحثة دلال الغربي في مداخلتها من النص السردي إلى الصور المرئية: سهرت منه الليالي لعلي الدوعاجي نموذجا( قراءة تجريبية ) ان الأقصوصة نص إبداعي ، هي شريط مقروء قد اغرت السينما العالمية فتحولت العديد من القصص القصيرة إلى أفلام….حيث وظف الدوعاجي التقنيات السينمائية داخل النسخ القصصي لخلق نص مخضرم يزخر بالحركية و الحيوية المشهدية للصور السردية و كيف منح لنصه من خلال هذه التقنيات وسائط بصرية طريفة .

الهزل والإضحاك آليات للنقد الإجتماعي من خلال مسرح الدوعاجي:

أما عن الهزل والإضحاك آليات للنقد الإجتماعي من خلال مسرح علي الدوعاجي تحدثت ابتسام الوسلاتي الأستاذة بالمعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي في بئر الباي حيث حرص علي الدوعاجي على الهزل و الفكاهة نظرا إلى قدرتها على التأثير في الجمهور يغدو تمرير الرسالة النقدية أكثر يسرا و نجاعة،فقد أمن الدوعاجي بجدوى الضحك،بحيث تعد الفكاهة آلية نفسية دفاعية في مواجهة العالم الخارجي حتى تقوم على أساس تحويل حالة الضيق إلى شعور بالمتعة.
و دوما في مجال خصائص الإضحاك في أقاصيص علي الدوعاجي استعرض الأستاذ عبد الرحمان الكبلوطي بعض خصائص القص عند الدوعاجي فأولها الوصف، و هو من أبرز ما يبعث القارئ على الضحك لأنه يصور شذوذ المواقف و شذوذ الشخصيات التي يرسمها الكاتب ففي ” نزهة رائقة ” يتعمد وصف منزل عبد الله التونسي أحد أثرياء الحرب فجأة دون استعداد مسبق ، و لا ثقافة و لا دراية بالتحضر و وصف هذا الرجل كذلك فإذا بين الوصفين تطابق عجيب،و اتفاق غريب،و ذلك أن البيوت على أصحابها تقع.

الدوعاجي المشاكس الذي كان يرى أبعد لأن في أعماقه تسكن موهبة القاص:

و من جهتها تحدثت الأستاذة آمال مختار في مداخلتها كنز القصة التونسية أدرك جوهر الإنسان، مشيرة إلى أن علي الدوعاجي المشاكس الذي كان يرى أبعد و أعمق مما كان يرى غيره من الرفاق ليس لأنه أكثرهم تعلما و ليس لأنه يتقن الفرنسية أفضل من أغلبهم و ليس لأنه أكثرهم سعيا لمزيد الإطلاع و كسب المعرفة خارج المعهد الصادقي أو جامع الزيتونة بل لأن في أعماقه تسكن موهبة القاص…
و مما جاء في تدخل الأستاذ عزالدين المدني حول عصر علي الدوعاجي المأزوم في الإبداع والفن قوله: “إثر وفاة الصديق العزيز الدكتور محمد فريد غازي و قبيل تأسيس نادي القصة بنادي أبو القاسم الشابي بالوردية انهمكت خلال ذلك البرزخ من السنين في البحث عن آثار علي الدوعاجي الذي توفي سنة 1949 و هي آثار أدبية على صفحات بعض الصحف و المجلات و حتى النشرات التجارية الاشهارية القديمة التافهة فضلا عن الإذاعة التونسية فنسختها بخط يدي و جمعت معظمها في كتابين الأول بعنوان سهرت منه الليالي و الثاني تحت السور …”

الدوعاجي يستهوي قلوب الأدباء والكتاب رغم مرور أكثر من سبعة عقود على رحيله:

وبذلك يواصل منتدى الفكر التنويري التونسي سلسلة لقاءاته الفكرية التي انطلقت منذ سنة 2017
و بمناسبة تكريم المبدع علي الدوعاجي أشار مؤسس منتدى الفكر التنويري التونسي محمد المي في كلمته بقوله : “لا يزال علي الدوعاجي يستهوي قلوب الأدباء والكتاب رغم مرور أكثر من سبعة عقود على رحيله … فهو رأس جماعة تحت السور وهو المنشق والمختلف وكاتب مأساة الفنان. كتب القصة وأدب الرحلة والمقال الصحفي وله باع وذراع في الرسم والكاريكاتور و أدب الترسل والمسرح الإذاعي والمسرح والشعر والغناء والزجل ..”.تعدد هذا الأديب رغم صغر سنه وحياته التي لم يعشها بالطول وإنما عاشها بالعرض وأضاف المي:”جمع عز الدين المدني أعمال الدوعاجي الكاملة ثم جمعها الأستاذ توفيق بكار وقد توفي دون أن يكملها فمات وفي نفسه شيء من الدوعاجي…”

سلسلة “أعلام الثقافة التونسية”إنارة لطريق الشباب والباحثين ضمن ثقافتنا الوطنية :

و للإشارة فإن سلسلة “أعلام الثقافة التونسية” والتي بلغت 23، توثق لندوات أقامتها وزارة الشؤون الثقافية لتكريم ثلة من أعلام الأدب والفكر في تونس والحقيقة أن هذا المشروع وراءه وزير سابق دعما واختيارا يضاف ذلك إلى فكرة شاغلة ومشروع وهاجس تعلقت جميعها برؤية ثقافية يحملها الباحث محمد المي من سنوات وهو المشتغل على التاريخ الثقافي الأدبي والمهتم بالتوثيق، وما إلى ذلك من الذاكرة الثقافية التونسية.فعلا أنه عمل نبيل يدعم راهننا الثقافي الحضاري وعلى سبيل التواصل والعرفان تجاه جهود السابقين وكذلك إنارة طريق الشباب والباحثين ضمن ثقافتنا الوطنية بهذه الكتب المختلفة والثرية ثراء مسيرات وتجارب أصحابها
الشكر لسعي المنتدى ولكل المساهمين وهي لعمري مناسبة للقول بأهمية تثمين التجارب الجادة والإعلاء من شأن الرموز والأعلام لدى الناشئة خاصة. إذ الأمل في دعم هذه التجربة الدالة في نواحيها الرمزية والتقديرية والمعرفية والحضارية تجاه الرموز والأعلام وكل ذلك حتى لا ننسى. في هذا الزمن الذي يدعو فيه كل شيء للنسيان..لا إنها مسؤولية الثقافة تجاه الماضي والحاضروالمستقبل.. نحن نريد للثقافة والإبداع الجادين الانتصار على الذاكرة المثقوبة…

مسيرة مهمة تستحق المتابعة:

وتكريما لهذه القامة ولخصوصياتها نتوقف لنعيش لحظات مع ثراء مسيرته :
علي الدوعاجي هو علي بن صالح الدوعاجي ولد بحاضرة تونس في 4 جانفي 1909 ، وتوفي بمرض السل بمستشفى الرابطة بتونس في 27 ماي 1949 ، كاتبا وشاعر ورسام كاريكاتوري وزجّال وإعلامي ورائد الأدب الفكاهي بتونس.كانت أسرته تنتمي للطبقة البرجوازية الصغيرة. غير أنه فقد والده وهو في سن الثالثة وقد تعلم العربية والفرنسية في المدرسة العرفانية القرآنية ، غير أنه انقطع عن الدراسة وهو في سن الثانية عشرة، وواصل تكوين نفسه بنفسه عن طريق المطالعة، إذ كان يقبل على قراءة الروايات والدواوين الشعرية، كما خالط الأدباء من أمثال زين العابدين السنوسي صاحب مجلة العالم الأدبي وكان يتردد على المجالس والمقاهي الأدبية، واتصل وأبي القاسم الشابي والطاهر الحداد كما عاشر مطولا القصاص محمد العريبي، والكاتب المسرحي عبد الرزاق كرباكة فنمت ثقافته شيئا فشيئا حتى أصبح من أعلام الأدب التونسي المعاصر بداية من عام 1933.
انتمى علي الدوعاجي إلى جماعة تحت السور الأدبية، إلى جانب عدد كبير من الأدباء والشعراء والصحافيين وغيرهم. وقد أصدر بداية من 30 أوت 1936 جريدة السرور التي عرفت بمقالاتها ورسومها السياسية الساخرة. وقد كتب الدوعاجي القصة القصيرة ونظم أشعاره باللهجة العامية التونسية، كما كان أيضا كاتبا مسرحيا وترك تراثا كبيرا من روايات ومداعبات تعبّر عن الواقع الذي تحياه الطبقات المسحوقة، كما أن علي الدواجي رسم الكاريكاتور.

مسيرة مهنيّة ثرية :

وُلد الدوعاجي لعائلة ثرية من أصل تركي في مدينة تونس عام 1909. تُوفيَّ والده الحاج محمد الدوعاجي وهو تاجر ثري ومالك أرض حينما كان ابنهُ علي في عمر الرابعة من عمره. لقد ورَّث لزوجته وأطفاله صندوقًا ائتمانيًا كبيرًا تمكَّنت الأسرة من العيش من خلاله بشكل مريح. أنجبت والدته نزهة بنت شقشوق ثلاث بنات وولدين، وكان دوعاجي الناجي الوحيد من ولديه. إنّ نشأته بدون والده وكونه الابن الوحيد يفسِّر جزئيًا سبب اكتظاظ أعماله بشخصيات نسائية. تلقى الدوعاجي تعليمه الابتدائي في مدرسة مجاورة حيث تعلم الفرنسية والعربية. عند الانتهاء من دراسته الابتدائية، التحق علي بمدرسة لتعليمِ القرآن الكريم ولكن سرعان ما اكتشفت أنها بعيدة عنه وعمّا يُريد. شجعته والدته على ممارسة مهنة في مجال الأعمال التجارية، فعمل لفترة وجيزة كمتدرب لدى تاجر محلي ناجح. ومع ذلك، قرَّر الدوعاجي الشروع في مشروع لتثقيف نفسه من خلال قراءة الأدب والثقافة الفرنسية. عندما تعرّف على علي الجندوبي وهو أدبي بارز اكتشف التاريخ والأدب والدراسات الثقافية العربية في العصور الوسطى والحديثة…كما كان الدوعاجي أكثر مساهمة في الأدب التونسي وكذلك الأدب العربي حيثُ أنَّ قصصه القصيرة التي جُمعت ونشرت في عام 1969 – بعد عشرين عامًا من وفاته . إذ تُوفيَّ علي الدوعاجي في 27 ماي 1949 بمرض السل. وفقًا للعديد من الروايات، فقد هجره العديد من أصدقائه وعانى من خيبة أمل مريرة لعدم الاعتراف بعمله. لكن في الذكرى العاشرة لوفاته، نشر زين العابدين السنوسي مقالاً بعنوان “ميراث الدوعاجي” أحيا فيهِ البحث النقدي والاهتمام العام بعمله، وذكر السنوسي أن علي كان قد كتب في 163 رسمًا إذاعيًا وأن ورثته اكتشفوا 60 رسمًا من بين مؤثراته، كما كتب 15 مسرحية وألَّف ما يقرب من 500 أغنية وقصيدة إضافة إلى إبداعات أخرى .

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *