بقلم وليد التليلي : مسمار واحد – تتفتّح وحيدة في الخلاء – أنا عامل يوميّ – تمائم

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

01-

أنا عامل يوميّ
ليس عندي نقابة
ولا عطل أو حوافز أو تأمين صحّيّ,,

عندي الله
ينظر إليّ من ثقب صغير في الأوزون
ويبتسم لي كلّما أشعلت سيجارة
صاحب العمل أيضا
يتابعنا من خلف مكتبه
بفضل كاميرات مراقبة تحاصرنا طوال الوقت
لذلك هو يصرخ
كلّما توقّفت كي أمسح العرق
أو كي آخذ جرعة أكسجين من بخّاخة التّنفّس,

كما ترون
أنا عجوز
مريض بالرّبو
لكنّني سأظلّ أدخّن طوال حياتي
وأنفث القطران إلى السّماء
لعلّ ثقب الأوزون يتّسع قليلا
ليرى الله كلّ شيء !

02-

مسمار واحد

أنا عامل النّظافة اللّيليّ
الذي لا يعرفه أحد
أمّي أرملة حزينة
تبكي طوال اللّيل مع إخوتي الصّغار
وأبي كان إسكافيّا
يرتق كلّ أحذية العالم
ثمّ يعود آخر اليوم حافيا إلى كوخنا الصّغير.

كلّ مساء
أجلس في باحة المقهى الفقير
أضع صورة أبي الوحيدة على الكرسيّ المقابل
وأطلبُ له شايًا بالنّعناع
ثمّ أتلهّى بمراقبة الإسفلت المُحفّر
حيث يتعثّر المارّة عادةً
في طريق عودتهم من حظائر البناء
ومصانع الصّابون البعيدة.

ها أنتم تعرفون الآن
كلّ ليلة
ألفّ كشكولي حول عنقي
وأخرج مع عمّال النّظافة الأبرياء
لأجوب الشّوارع الباردة
وأنظّف حفر الإسفلت من عثراتكم المضحكة
لعلّني أجد مسمارا صغيرا
سقط من أحد أحذيتكم اللاّمعة
فقط
مسمارا صغيرا
كي أعلّق صورة أبي !

03-

تمائم يابسة تخشخش

ساعدني يا اللّه
إنّني زنجيّ منبوذ ووحيد
إخوتي ماتوا بالإيبولا
وأمّي خرجت تبحث عن دواء في بيت الكهنة
وتركتني محموما
أنام في كوخ صغير من القشّ والطّين
مقيّدا بتمائم يابسة تخشخش كلّما تقلّبت
وأهذي بأسماء أهلي الطّيّبينَ الذين ماتوا في الحرب
وشيّعهم البِيض إلى مقابر جماعيّة.

يسلّمني البرد للدّفء, والدّفء للبرد
وتحفر الحمّى في جسدي حتّى تغيب داخله.

يا اللّه
ساعدني
الكهنة مرّوا في عربات الموتى
وأمّي لم تعد بعد !

04-

تتفتّح وحيدة في الخلاء

مدّي يدك
وتحسّسي النّدوب التي على جسدي النّحيل
ستفهمين عندها أنّني أتيت من الجهة الأكثر سوادا في العالم
حيث لا كتب في الصّالونات
ولا كوميدينوهات قرب الأسرّة
فوقها مصباح اللّيل الباهت المعدّ للقراءة.

لم أتعلّم الشّعر في المحاضرات
تعلّمته من عند المطر
أتبعها في كلّ مرّة إلى التّلال البعيدة
لتدلّني على زهرة الصّبار الصّفراء التي لا يحبّها أحد
تتفتّح وحيدة في الخلاء
في الوقت الذي تكونين فيه أنت خلف بلّور بلكونك العالي
تشربين النّيسكافيه مع الحليب
وتقرئين قصائد الحبّ على كرسيّك الهزّاز.

تقرئين لمحمود درويش
تقرئين لإيلوار
تقرئين لنيرودا
لكنّك لا تقرئين لي أبدا
أنا الذي, من زمان, أكتب لك بشوكة صبّار على جسدي !



Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *