زين العابدين السنوسي، صحفي ومصلح تونسي وأحد أقطاب الأدب التونسي المعاصر.

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

توفي في مثل هذا اليوم 27 ماي من سنة : 1965 – زين العابدين السنوسي، صحفي ومصلح تونسي وأحد أقطاب الأدب التونسي المعاصر.

– زين العابدين السنوسي : ولد في 16 نوفمبر 1901 – توفي في 27 ماي 1965، (64 سنة).
– هو زين العابدين بن مَحمّد بن عثمان بن محمّد السّنوسي الكافي من عائلة بني مهنّيّة.
– والده محمـد السنوسي، كان سليل قضاة، تولّى رئاسة تحرير الرّائد التّونسي، أوّل جريدة رسميّة تونسيّة. وكان من رجال الإصلاح، وصاحب مؤلّفات عديدة مختلفة الأجناس والمواضيع.

– شبّ زين العابدين السّنوسي محروما من رعاية والده مَحمّد السّنوسي المثقّف، والكاتب متنوّع الإنتاج الّذي ساهم في الحركة الإصلاحيّة، وفيما بعد في مقاومة الاستعمار في سنواته الأولى. وربّما كان ذلك سببا في تعثّر مسيرته التّعليميّة، فلم يحصل من الشّهائد إلاّ الشّهادة الابتدائيّة من فرع المدرسة الصّادقيّة سنة 1915. وتردّد سنة واحدة على ثانويّة هذا المعهد. ثمّ انتقل إلى جامع الزّيتونة إلى سنة 1920. ثم لم يلبث أن اقتحم السّاحة الثّقافيّة بكلّ جرأة.

– شهد زين العابدين السنوسي تأسيس الحزب الحرّ الدّستوري التّونسيّ بزعامة عبد العزيز الثّعالبي سنة 1920، واحتكّ بزعمائه بدون التزام واضح، واطّلع عن كثب على ماهيّة الصّراعات السّياسيّة الوطنيّة، من غير خوضها مباشرة، وعاش كوطنيّ متحمّس للهزّات الّتي عرفتها البلاد، مثل استقالة النّاصر باي، وظهور الحركة النّقابيّة مع محمّد علي والطّاهر الحدّاد، والضّربة الّتي وجّهها لها الاستعمار يدعمها تخاذل القوى السّياسيّة. كما ساير عن قرب بروز الحزب الدّستوريّ الجديد على مسرح الأحداث في 2 مارس 1934 بزعمائه الشّبّان المنتهجين نهجا جديدا في مقاومة الاستعمار، وما نتج عن ذلك من قمع الشّعب التّونسيّ واضطهاده بكلّ فئاته. ثمّ عانى مثل كلّ التّونسيّين امتداد الحرب العالميّة الثّانية إلى البلاد التّونسيّة وتأثيرها في وضع البلاد على جميع الأصعدة. وعاين استفاقة القوى الوطنيّة من جديد سواء النّقابيّة أو السّياسيّة وإعدادها للمرحلة الحاسمة المُفضية إلى استقلال البلاد.

– عاش زين العابدين السّنوسيّ هذه الفترة الطّويلة بأحداثها المثيرة عن قرب. ولكنّ الباحث لا يجد في حياة هذا الوطنيّ ما يدلّ على التزام مضبوط وانضمام واضح إلى حزب من الأحزاب في نضاله السّياسيّ. وهو أمر يمكن فهمه إذا تعمّقنا في عقليّة هذا الوطنيّ الأصيل المتقمّص لروح ثائرة جريئة.

– لقد كان يناضل حسب تمشّي المثقّف المؤمن بجملة من القيم، ويسلك سلوكه في استقلاليّة لا تعرف هوادة. وليس من الغريب أن يناله ما نال العدد العديد من الوطنيّين من التّعسف والقمع آنذاك. ولكن كان ذلك نتيجة أعمال فرديّة لا جماعيّة أملتها عليه إرادته السّياسيّة المستقلّة. فقد تمّ إيقافه بقفصة وإيداعه السّجن بتهمة الدّعاية السّياسيّة ضدّ حكومة الحماية سنة 1927.

– والجدير بالذكر أيضا، أنّه سافر إلى إيطاليا بدعوة من القيادة العسكريّة الألمانيّة ممّا ترتّب عنه سجنه في 27 مارس 1943 بحصن روفيسانو بضاحية فلورانس طوال ثلاثة أشهر ثمّ نقل إلى محتشد بلدة فوشيكو. وأثناء ذلك حكمت عليه المحكمة الفرنسيّة في تونس بالإعدام بتهمة الفرار مع العدوّ. ونزل، في عودته إلى البلاد يوم 7جويليّة 1945 ببنزرت عن طريق البحر، فألقي القبض، وأودع السّجن العسكريّ بتهمة التّعاون مع المحور. ونقل إلى المستشفى العسكريّ ثمّ المدنيّ بالرّابطة بسبب صحّته المتداعية. وفي 26 فيفري 1945 أطلق سراحه.

– ولئن كان لزين العابدين السّنوسيّ التزام حقيقيّ ونضال متواصل ففي الميدان الثّقافيّ والأدبيّ. إذ كان المثقّف الحقّ الّذي لم يساهم فقط في الحركة الثّقافيّة المزدهرة آنذاك، بل طبع تلك الفترة بشيء منه نظرا إلى نشاطه الزّاخر بمختلف التّطلّعات.

– ولفهم مدى مساهمته لا بدّ من التّلميح إلى كنه شخصيّته وجوهر تفاعلاتها مع الفئات الاجتماعيّة والسّياسيّة والفكريّة والأدبيّة. وأصدق وصف لهذا المثقّف هو ما رسمه له بيرم التّونسي – رغم سخريّته اللاذعة – فهو عنده “الأرستقراطي الوحيد الّذي رضي بأن يشتغل بالصّحافة العربيّة، ويدير مطبعة لطبع المجلاّت والكتب “. ناهيك أنّه كان صهر الباي والمنتمي إلى البيوتات الكبيرة في العاصمة التّونسيّة. “فقد طرح حياة البذخ والرّاحة والتّألّق واقتحم العمل مثل أبناء الشّعب.” وأبت عليه نفسه الكبيرة إلتماس الرّزق من تلك الأبواب المبتذلة أي أن يصير “ڤايدا” من أكبر الڤيّاد، أو موظّفا من أعظم موظّفي الإدارات، أو تاجرا من أعظم تجّار الواردات والمنتوجات الوطنيّة”. لقد رضي أن “تزخرف يداه ووجهه وملابسه بالحبر وصدإ الرّصاص” (عن بيرم التونسي).

– كان السنوسي يكافح من أجل صحافة حرّة، فاضحا ممارسات الإدارة الاستعماريّة مثل منحها رخص إصدار الدّوريّات لأناس لا علاقة لهم بالصّحافة والكتابة، بل كثيرا ما كانوا أصحاب سوابق عدليّة، بعيدة عن قضايا الرّأي أو السّياسة. وكان يستنكر ممارسات الإدارة الاستعماريّة في مجال التّعليم من دون سلوك المواجهة الحقيقيّة. فيتعرّض مثلا في كتاباته لقلّة المدارس ورفض قبول الأطفال التونسيين في الرّوضات.
– وكان ينتقد نقدا لاذعا أوضاع التّعليم في جامع الزّيتونة، ويشنّ حملات هوجاء على المحكمة الشّرعيّة، ولا يتأخّر في الزّجّ بنفسه في المعارك الأدبيّة وحتّى السّياسيّة في بعض الأحيان.

– بهذه الرّوح الاستقلاليّة والجرأة الأدبيّة، وبهذا الحماس والوطنيّة العارمة، والشّعور الحادّ بالانتماء إلى الحضارة العربيّة الإسلاميّة، اقتحم زين العابدين السّنوسي ميدان الطّباعة والنّشر، موازاة مع العمل الصّحفيّ وكتابة المقالات والدّراسات، وإصدار الكتب. فقد أسّس “مطبعة العرب” سنة 1922 بتونس العاصمة، وكانت ناديا يختلف إليه كبار الشّعراء والكتّاب أمثال الشّادلي خزندار وأبي القاسم الشّابي والطّاهر الحدّاد وأحمد خير الدّين وغيرهم كثير. وكانت المطبعة تعجّ بالأدباء الشّبّان “فهم ينزلون بها ويعملون فيها، ويتدرّبون على المهنة الصّحفيّة والمسرحيّة وعلى تعاطي العمل الأدبيّ، بعضهم لا يعرف له مقيل إلاّ في دار العرب”. ( مقتطف من محمّد الصّالح المهيدي، تاريخ الطباعة والنّشر في تونس، نشر معهد علي باش حانبة، تونس 1965 ).

– أمّا تجربته في ميدان الصّحافة في فترة كانت تعاني فيها الدّوريّات التّونسيّة العنت من الإدارة الاستعماريّة، فقد كانت ثريّة جدّا. ففي سنة 1923 اكترى امتياز مجلّة البدر، وأصدرها تحت عنوان “العرب”.
– وفي سنة 1930 أصدر مجلّة “العالم”، ثمّ “العالم الأدبيّ”. فكانت ملتقى للأقلام التّونسيّة، ومرآة للحياة الأدبيّة، وأداة للتّأثير في الحركة الأدبيّة والفكريّة في تلك الفترة..
– وفي سنة 1936 أصدر جريدة “تونس” التي توقّفت سنة 1939 بقرار إداريّ، ثمّ عادت للصّدور سنة 1948.

– ولم يقتصر زين العابدين السّنوسيّ على هذا النّشاط الّذي دعّم به حركة النّشر بل كان أوّل من أصدر مختارات من الأدب التّونسيّ سنة 1927 بعنوان : “الأدب التّونسيّ في القرن الرّابع عشر” فبرز بهذا الكتاب كأوّل مؤرّخ للأدب التّونسيّ الحديث، فاتحًا باب النّقد الأدبيّ بكلّ جرأة، واستقلاليّة في الرّأي مع طرافة وتفتّح. ثمّ لم ينفكّ ينشر الكتاب تلو الكتاب (14 كتابا) وهي في الواقع كتيّبات قلّ أن يتجاوز الواحد منها المائة صفحة. كما كتب مسرحيّة بعنوان “فتح إفريقيا”. وله مشاركات متعدّدة في جلّ الجرائد والمجلاّت الصّادرة بتونس مثل النّهضة، المعارف، الهدى، الزّيتونة، مجلّة النّدوة، ومجلّة الفكر.

– إثر استقلال البلاد تولّى إدارة الرّائد الرّسميّ لفترة قصيرة ثمّ حاول إعادة إصدار جريدة “تونس”، ولكنّه أُثني عن ذلك، مكتفيا بمنحة تُصرف له من كتابة الدّولة للرّئاسة مقابل استشارات تتعلّق بالميدان الثّقافي. وانطوى على نفسه في أواخر أيّامه واقتصر على مدّ مجلّة “النّدوة” بكتابات متنوّعة (مقالات وقصص) ثمّ لمّا احتجبت انضمّ إلى أسرة مجلّة الفكر، وواصل النّشر على صفحاتها محاولا المساهمة بحكم تجربته الطّويلة، ووطنيّته العارمة في تصوّر المجتمع الجديد بعد استقلال البلاد، فكتب المقالة والشّعر وترجم نصّا لمالك حدّاد.

– من مؤلّفات زين العابدين السّنوسي :
* الأدب التّونسيّ في القرن الرّابع عشر،(الجزء الأوّل سنة 1927، الجزء الثّاني سنة 1928)
* عبد الرّحمان بن خلدون، دراسة ومختارات ( سنة 1952)
* أبو القاسم الشّابّي، حياته أدبه (1956)
* محمود قابادو، مطبعة العرب (1952)
* محمّد بيرم الخامس، مطبعة العرب (1952)
* محرز بن خلف زعيم الثّورة ضدّ الشّيعة، الدّار التّونسيّة للنشر،1981.
* شعراء القيروان من أنموذج الزّمان، صنعة الحسن بن رشيق، جمع وتعليق زين العابدين السّنوسي، مطبعة العرب، تونس 1951.
* الوطنيّة في شعر ابن حمديس، دار المغرب العربيّ، 1952.
* في حضارة الأندلس، مطبعة العرب، تونس، 1930.
* الدستور التّونسي، سنة 1952. طبعة ثانية عن مكتبة النّجاح، تونس 1955.
* كتاب الجناة، مطبعة العرب، سنة 1924.
* فتح إفريقيا أو عبد اللّه بن الزّّبير وابنة جرجير، مطبعة العرب.

– كما ترك عددا من الآثار المخطوطة أودعت بالدّار التّونسيّة للنّشر ولم يتمّ طبعها، وكذلك عدد كبير من الكتابات من دراسة وإبداع بقيت مبثوثة في الجرائد والمجلاّت كالنّهضة والأسبوع وتونس، ومجلاّت كالعالم الأدبيّ والنّدوة والفكر.

# أسامة الراعي #

Loading

أسامة الراعي

متحصل على : شهادة الأستاذية في التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *