سوسيولوجيا خدمات توصيل الأكل بتونس محور بحث ميداني ودراسة بعنوان الشباب، التطبيقة والحريف: “تلاقى الظروف الصعبة وقصص النجاح في هذا المجال الناشئ”

شارك اصدقائك الفايسبوكيين

 


من منطلق الإيمان بمبدأ العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص والكرامة الإنسانية التي تستوجب توفير أساسيات العمل اللائق بإعتباره صمام الأمان إزاء أي تهديد للسلم الاجتماعية قدمت مؤسسة ”فريدريش إيبرت” بتونس أمس الأول نتائج بحث ميداني ودراسة بعنوان ”الشباب، التطبيقة والحريف: سوسيولوجيا خدمات توصيل الأكل بتونس”.ساهم في أعدادها فريق شبابي متكامل منهم أمين الحسيني وسفيان جاب الله ؛ وتولى البحث الميداني أمير صميدة ووليد العمري والتشخيص القانوني لمروى الفهري وقامت بتحليل المعطيات الميدانية هالة الماجري…
ومن أهداف هذه الدراسة السوسيو أنثروبولوجية استكشاف هذه الظاهرة الجديدة والمعقدة بعمق، وذلك بالتركيز على مدينة تونس، حيث ازداد عدد موصلي الوجبات إذ نلا حظ وجودهم بوضوح خلال السنوات الأخيرة. الهدف هو فهم كيفية تداخل القطاع غير الرسمي والرسمي في هذا النشاط، وكيف تتلاقى الظروف الصعبة وقصص النجاح في هذا المجال الناشئ.
تقوم هذه التجربة على مراوحة بين البحث والتدخل والمناصرة، وتقدم صورة مصغرة على عالم موصلي الوجبات في تونس، مسلطة الضوء على جوانب متعددة من هذا النشاط الذي غير وجه المدينة وشوارعها. إذ أصبح موصلو الوجبات جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ولكن وراء كل توصيل تكمن قصة فريدة. كما تساعد هذه الدراسة على فهم أفضل للتحديات التي يواجهها هذا الشباب العامل، إناثا وذكورا، و الديناميكيات الاجتماعية التي تحركهم، بالإضافة إلى الفرص والقيود التي يواجهونها.
كما أن هذا التوجه الجديد يستوجب فهم هذه الظاهرة عن قُربٍ، وتحديداً انطلاقًا من البون الفاصل بين تمثّلات عملة التوصيل حول مهنتهم المرافق لقرار الالتحاق بها وبين ما أوجدوه فعليًّا على أرض الواقع.
تحديد “بروفايل” سوسيولوجي تقريبي وغير قابل للتعميم لعملة التوصيل:
انطلاقا من البحث الميداني، والذي تم اعتماد فيه على الملاحظة الاثنوغرافية والمقابلات البيوغرافية مع عملة التوصيل ومقابلات نصف موجهة مع مختلف المتدخلين ووثائقي بحثي، مكّن من تحديد بروفايل سوسيولوجي تقريبي وغير قابل للتعميم لعملة التوصيل، وتم التوصل إلى كون” الليفرور” من جنس الذكورأعزباً بالغاً من العمر 27 سنةً وقاطنًا بحيّ شعبيّ، انقطع عن الدراسة في المرحلة الثانوية ويُعاني من حالة هشاشة اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة ونفسيّة.
كما خلصت هذه الدراسة إلى كون عملة التوصيل اختاروا الانخراط في هذا القطاع دون غيره من المهن المتاحة لكونه لا يتطلب تكوينًا أكاديميًّا محدّداً ولا مهارة معيّنةً، إذ يقتصر الأمر على القدرة على السياقة واستعمال الهاتف الجوّال، كما أنّ انتظاراتهم منه لا ترتبط فقط بتحسين وضعهم الاقتصادي، بل تشتمل أيضًا على خيرات رمزية على غرار انتزاع الاعتراف إضافة إلى كونه يتحقق عبر الإسهام في الإنفاق الأسري والشعور بالمكانة داخل المجتمع لأنّه يضطلع بمهمة تسهيل حياة باقي الأفراد.
كما تم التوصل إلى أن الفئة العمرية التي ترغب في العمل في قطاع التوصيل هي فئة عمرية شابة تنتمي إلى طبقة متوسطة أو متوسطة دنيا حيث أن 74% من المستوجبين ينتمون إلى الفئة العمرية بين 20 و29 سنة و100% منهم يقطنون في أحياء شعبية.إذ أن خدمات التوصيل تعتبر مهنة حديثة جدا في تونس، مشيرا إلى أن الدراسة أكدت أن 80% من العاملين في خدمات التوصيل ذكور و20% منهم إناث وأن المستويات التعليمية تتباين بين 13% تعليم أساسي و80% ثانوي و6.7% جامعي.
كما بينت الدراسة أن 80% من عمال خدمات التوصيل غير مرتبطين و13.3 % متزوجون و6.7% منفصلون.
مهنة محفوفة بالمخاطر في المقابل لا تتحمّل الشركة أيّ مسؤوليّة قانونيّة تجاه منظوريها:
من زاوية أخرى يمكن اعتبار هذه المهنة محفوفة بالمخاطر، فهم معرّضون على الدوام لحوادث
الطرقات، الجريمة المنظمة والأمراض. وفي المقابل لا تتحمّل الشركة أيّ مسؤوليّة قانونيّة تجاه
منظوريها، كما أنّها تتخلّى عن خدماتهم بمجرّد أن يصبحوا غير قادرين، ولو وقتيّا، على إنجاز مهامهم.
على هذا الأساس تضع الشركات العملة أمام ثنائيّة أحلاهما مرّ: القبول بالاستغلال وعدم توفّر أساسيات العمل اللائق أو العودة إلى البطالة، وانطلاقًا ممّا وقع ذكره بإمكاننا أن نستشفّ مدى الهشاشة التي يعاني منها عملة التوصيل، وأنّ هذا القطاع لانظامي حتّى وإن بدا ظاهريًا نظاميًّا.
وتبقى مهنة عامل التوصيل مهنة هشة كذلك الوضعية القانونية بدورها هشة حيث أن أغلب العقود التي يحظى بها العاملون هي إسداء خدمات التي لا تضمن الحماية للعامل مقابل ما تُمنح من امتيازات للشركات التي يعمل فيها وفي أغلبها شركات ناشئة.
كما أن المعطيات على أرض الواقع لم تستجب لما طمح إليه عملة التوصيل، فالمداخيل الماديّة كانت دون المأمول والوضعية القانونيّة ضبابيّة خصوصا فيما يتعلق بعقود إسداء الخدمات، إذ تعتمد ا الشركات على وسيط يكون له معرّف جبائي تحت عنوان متعهّد خدمات لوجيستية (Third Party Logistics) والذي يقوم بدوره بتوفير عملة توصيل للشركة دون عقود في أغلب الحالات، ويكون بمثابة مرجع النظر للعملة لا الشركة مقابل أخذ نسبة مئويّة.
تعزيز الشفافية والمسؤولية وحماية حقوق العاملين بصفة فعّالة ومستدامة:
وبفضل مراوحة بين البحث الميداني وورقة السياسات تم التوصل إلى جملة من التوصيات التي تهدف إلى تعزيز الشفافية والمسؤولية وحماية حقوق العاملين في هذا القطاع وذلك بغرض تحقيق تنظيم قطاع التوصيل بصفة فعّالة ومستدامة.من خلال تعزيز التعاون بين الحكومة والجهات القانونية والصحية والإقتصادية ذات الصلة لتطوير إطار قانوني واضح وفعال من أجل تنظيم سليم وسلس لقطاع التوصيل … وبالنسبة للشركات الحصول على التراخيص والتصاريح المطلوبة من السلطات المختصة والترسيم في السجل الوطني للمؤسسات أو البوابة الإلكترونية للمؤسسات الناشئة…كذلك حماية حقوق العمال وتوفير الحماية الإجتماعية والصحية والقانونية وجميع تجهيزات العمل …
وللإ شارة فإن هذه الدراسة تاتي في إطار مشروع إقليمي في تونس بعنوان “سياسات اقتصادية من أجل العدالة الاجتماعية” وامتدت من أكتوبر 2022 إلى سبتمبر 2023 لتشمل 15 عامل توصيل في تونس.وجاءت كذلك لمعالجة نظرة جديدة لمهن حديثه دخلت ضمن المشهد اليومي جديد لم يتم التعود به. حيّز مدينّي يتغيّر، يُنبئ بطفرة في عقليّة استهلاكيّة مرادفة لـــ ;عن بُعْدٍ، طرقات صارت تعجّ بدرّاجات ناريّة بألوان متنوّعة وأسماء اشهاريّة مختلفة تحمل صناديق مأكولات من مطاعم إلى حرفاء يمتلكون تطبيقات على هواتفهم المحمولة للتمتع بهذه الخدمة.
إذ أن مفاهيم الحداثة والحلم الأمريكي قدّموا للعالم مهن جديدة تمنح الحرية وهي من أسباب رغبة الشباب في مزاولة مهنة خدمات التوصيل بالاضافة إلى أسباب أخرى منها الرغبة في الاستقلال الاقتصادي والوظيفي وتحقيق الذات.غيرأن هذا القطاع في مرحلته الأولى يحتاج إلى تحالف التشريع مع الوضعية الاقتصادية الهشة للعاملين في خدمات التوصيل أعاد إنتاج الهشاشة عكس ما يعتقد هؤلاء الشباب، كما أن القطاع هو نظامي ولكن أصبح هشا بسبب غياب الدولة خاصة على مستوى التشريع والرقابة.
تطبيقات ذكية ومنصات إلكترونية لتوصيل الطعام تعتمد مصطلحات تونسية:
من جانب آخر نتوقف على بعض الجوانب ذات العلاقة حيث أن أسلوب الحياة يتغير في تونس مع انتعاش تطبيقات الطعام فبعض التطبيقات الذكية والمنصات الإلكترونية لتوصيل الطعام تعتمد مصطلحات تونسية مثل “لبلابي دوت كوم” نسبة إلى أكلة اللبلابي الشعبية في البلاد.وبفضل التطبيقة الذكية توفر على الحريف الكثير من الجهد والوقت، منذ بداية استخدامها أعرب الكثير عن رضاهم
إذ كان معقدا في السابق عند طلب الطعام عبر الهاتف إذ يزعج الحريف أحيانا طول فترة الانتظار حتى يرفع أحدهم السماعة أو يكون الخط مشغولا. وتضاف إلى كل ذلك، ضرورة مدّ المطعم بعنوان المنزل بدقة، في حين أن التطبيقة الذكية تعتمد نظام تحديد المواقع وتوفر على المستخدم كل ذلك العناء.ويعد الاستعانة بالتكنولوجيا في طلب الطعام ممارسة جديدة في تونس إذ بدأت متأخرة مقارنة ببلدان عربية أخرى لاسيما دول الخليج العربي و مصر، باعتبار خصوصية العادات الاستهلاكية للمجتمع التونسي.
وقد اعتمدت أول الشركات الناشئة في تونس التكنولوجيا في خدمة طلب الطعام. ويستفيد المطعم بدوره من خدمات الشركة، إذ لا يضطر للانشغال بالبحث عن عمال توصيل أو التعاقد معهم ودفع رواتبهم بل يقوم بكل ذلك مكانه. ويوفر هذا التطبيق أيضا للحرفاء الذين يطلبون الطعام عبره إمكانية متابعة الطلب ومسار عامل التوصيل حتى يصل إلى باب منزله.ويعرض التطبيق قائمات الأكل حسب الاختصاص من مطاعم الوجبات السريعة إلى الأكلات المحلية والتقليدية أو الأكل بحسب البلد أو المنطقة (المطبخ الإيطالي أو الأسيوي أو الأوروبي أو المتوسطي أو اللاتيني….).
هذا قد أطلقت مؤخرا تطبيقة تحت تسمية “حليب الغولة” (وهي تعني أن كل شيء متوفر دون استثناء ومهما كان صعبا أو نادرا) لتكون أقرب للتونسيين، بإعتبارها شركة محلية على خلاف الكثير من المنافسين الذين تتفرع شركاتهم أو تطبيقاتهم من منصات أوروبية مثلا.
كما أن التطبيقة تساعدهم على التعرف على ما يفضل الحريف وبالتالي الاستجابة له عوضا عن توجيهه عبر طرح قائمة محددة من الطعام أو غيرها من الأغراض، إذ بفضل هذه التطبيقة توفر الشركة توصيل أي غرض يطلبه الحريف غير الطعام.

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *